من أجل إعلام مهني .. مواطن ومستقل (1)
على تعدد أشكال التعبير الإعلامي، وتعدد وسائطه، وتزايد دوره الحيوي في جميع مظاهر الحياة المعاصرة، تنتصب الحاجة في المجتمعات النامية إلى توسيع مساحة مساهمة هذا الإعلام في حياة مجتمعاتها، التي ترغب في أن يكون لها حضور وازن في التحولات السريعة، التي يشهدها العالم اليوم، والتي شكل سلاح الإعلام أهم العوامل المؤثرة في نشأتها، وفي تداعياتها، التي لازالت تتناسل في نسب غير مسبوقة، وتؤكد بالملموس على أهمية الإعلام ودوره الريادي، وليس هناك حصر وتحديد للمفعول الملموس لهذا الإعلام في الظرف الراهن، الذي اجتاح كل القطاعات والبنيات والمؤسسات، وعجل بانفجار وتفكك كل الحواجز التي كانت تحول دون الوصول إلى الحقائق، والمعلومات والأسرار.
أين نحن في المغرب إذن من هذه الثورة الإعلامية، التي بخرت وإلى الأبد إمكانية وقف التدفق الهائل للأخبار والمعلومات، والحقائق في جميع التخصصات ..؟ وهل سيظل إعلامنا في الحدود الجغرافية التي يوجد فيها كما وكيفا ..؟ وهل لا يزال من الممكن الوصاية على هذا الإعلام الوطني، الذي حطم كل الحواجز، التي كانت تختزل دوره ومشاركته في التحولات المجتمعية ..؟ وهل الإعلاميون في الوطن لم يصلوا بعد إلى سن الرشد، وامتلاك الخبرة والمعرفة، التي تؤهلهم للقيام بدورهم المستقل الوطني والمدني ..؟ وهل هذا الإعلام الوطني غير قادر على أن يمارس مهام السلطة الرابعة كما هو عليه الأمر في الدول الديمقراطية الحديثة ..؟
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نتطلع إلى الإعلام الوطني المهني والمستقل، والقادر على أن يجسد على الأرض حقيقة السلطة الرابعة، التي نصت عليها جميع دساتير الوطن، ولنا في النضال من أجل ذلك ضمن موقفنا في المشهد النقابي التعددي الديمقراطي، وسيظل هاجسنا الرئيسي والجوهر المركزي في عملنا النقابي، والمدني المواطن، ولن نتأخر في سبيل ذلك بتعميق وإغناء ومساندة كل المبادرات والجهود، التي تنخرط في هذا الورش التنموي الإعلامي الوطني، والمستقل عن كل مراكز النفوذ، التي تحاول تهجين وتدجين الإعلاميين للدفاع عن مصالحها الفئوية الضيقة، ولعل مسودة مشروعنا النقابي المعروضة للنقاش العمومي، وحرصنا المستمر على بلورة ذلك، رغم كل الإكراهات، التي نواجهها، يؤكد على سلامة وقوة هذا التوجه، الذي نتمنى أن تشاركنا فيه كافة مكونات الصف الجمعوي والنقابي في قطاع الإعلام، وفي خارجه.
إن قضية الالتفاف حول ضرورة الإعلام الوطني المهني المستقل، تمثل بالنسبة إلينا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، الأولوية القصوى في نشاطنا النقابي، والصحفي والمدني، وعلى محاورها التي حددناها في قانوننا الأساسي، ستكون الأوراش المفتوحة بالنسبة لكل المهنيين، حتى وإن كانت لهم وجهات نظر مخالفة ومعارضة لتصورنا، الذي نعتبره مجرد أرضية أولية فقط، وسنكون أكثر حماسا واستعدادا إن تزايد الاهتمام بها من قبل العاملين في القطاع الإعلامي بمختلف وسائله التعبيرية، وسوف نحرص على تعبيد الطريق أمام الرأي الآخر، الذي سيراهن على المستقبل والتحرر، والشرعية والمهنية والاستقلالية، التي يتطلع إليها عموم الفاعلين الإعلاميين.
إن الطريق إلى هذا الإعلام المهني المواطن والمستقل، يكمن في مساحة الحوار حوله من قبل جميع الأطراف، ومدى استعدادها على الالتزام بما سينتهي إليه من مقررات، وتوصيات وخلاصات، وفي هذا الإطار، كنا كنقابة وما زلنا نراهن على تلقائية المشاركة والفعالية في إغناء هذا الحوار بين جميع الأطراف المعنية، وسنظل على التزامنا بذلك في أفق تحقيق ما يتطلع إليه الفاعلون والمجتمع والوطن، بعيدا عن الحسابات النقابية والسياسية الضيقة .. وما نرجوه في هذا المجال هو اقتناع جميع الفاعلين بمشروعية المعركة من أجل تخليق وتحديث واستقلال المرفق الإعلامي، والنهوض به ليؤدي دوره بالقوة والنضج والتحرر، الذي وصل إليه في الدول التي سبقتنا إلى ذلك، وإننا واثقون من الروح المواطنة التي يؤمن بها الفاعلون الإعلاميون، الذين يقدرون حجم وقوة الإعلام الوطني في المجتمع، ويملكون الوعي التحرري والمتحضر في ممارسة مهنة المتاعب التي يجيدونها، سواء في الصحافة المكتوبة، أو الإعلام المرئي، أو السمعي أو الالكتروني.
لن نجدد القول بأن الهم الإعلامي متشعب، ولا يتعلق بالجوانب القانونية والمهنية، بل يشمل جوانب أخرى ترتبط بموقع الإعلام في كل الأنشطة المجتمعية الإنتاجية والخدماتية، كأداة للتكوين والتعبئة، والمساءلة والتنوير والإخبار، وصولا إلى موقعه كسلطة رابعة مكرسة للاختيارات والتطلعات الفردية والجماعية، وحاضنة لمشروع الرؤيا الحضارية المجتمعية في كل مكوناتها الثقافية والعلمية، والروحية والحضارية والسياسية والاقتصادية، كما هي في المجتمعات التي آمنت بالإعلام وبالوظائف التنموية والتحررية والحداثية التي يقوم بها، وفي أهداف القانون الأساسي الذي يشكل المرجعية القانونية والمذهبية لنقابتنا ما يكفي للإشارة إلى هذه العناصر التي تمثل سقف مشروعنا النقابي، الذي يؤثث الساحة النقابية الوطنية، والأمل في الفاعلين المهنيين للمساهمة في إغناء كل المشاريع والرِؤى، التي تساعد على الارتقاء بالممارسة الإعلامية الوطنية في أجواء هذه الأهداف، التي لاشك أنها ستحرك الفاعلين على الاجتهاد والتفكير فيما يساعد على إغنائها.
ونؤكد مرة أخرى، أننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نتوفر على ملف مطلبي أولي هو حاليا قيد الدرس من طرف الوزارة الوصية على قطاع الاتصال، لن نغلق الباب حوله من كل الجوانب والعناصر، التي يرى الفاعلون ضرورة طرحها وتعميق الحوار حولها، سواء تعلق الأمر بالجوانب القانونية والمهنية، أو الحقوقية، في أفق تحصين المهن الإعلامية، وتطوير شروط وقواعد ممارستها في كل وسائل الإعلام المتاحة أمام الفاعلين، وندعو كل الفاعلين إلى اقتراح الصيغ التنظيمية التي يمكن أن يتم فيها هذا الحوار الإعلامي، الذي نتمنى أن يتخذ طابعا مؤسسيا في انتظار انتخاب المجلس الوطني للصحافة.