نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يجسد العبثية والعطرسة الأمريكية
قد يكون الحق مع دونالد ترامب في ترجمة وعوده الانتخابية .. لكن، أن يكون من بينها ما يهم القضايا الدولية الساخنة، كقضية فلسطين التي صدرت في حقها عدة قرارات دولية، ويسارع إلى الإعلان عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، فهذا يشكل قمة العبثية في سياسة الدول المعنية كالولايات المتحدة الأمريكية، التي ترعى العملية التفاوضية السلمية من أجل حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية .. لذلك، فإن هذا القرار من الرئيس الجمهوري يشكل سابقة سياسية وتاريخية مدوية لم يقدم عليها جل الرؤساء الذين عاشوا هذه القضية التي لم تتخلف الدولة الأمريكية عن الانحياز فيها لصالح إسرائيل.
إن هذا الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، يشكل ضربة قوية لكل الأطراف الدولية التي تدخلت فيها من أجل إنهاء الصراع المفتوح فيها بين الكيان الصهيوني الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، منذ خلق هذه الدولة في الشرق الأوسط في المراحل التاريخية التي مرت منها كمشروع ثم ككيانات بعد وعد بلفور، والإعلان عنها سنة 1948، وتمثل الإدارة الأمريكية إحدى هذه الدول الكبرى التي رعت مشروع الدولة الصهيونية حتى الإعلان الأخير للرئيس ترامب، القدس عاصمة للدولة الصهيونية بكل ما يحمل هذا الاعتراف من عبر وخلاصات و دروس للشعوب العربية التي كانت تعتقد باستمرار حياد الدولة الأمريكية، وتدخلها في المفاوضات بين الأطراف المعنية بالصراع.
لن نردد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ما يعبر عنه الآن اتجاه هذه الحماقة السياسية المرتكبة من الرئيس الأمريكي التاجر، التي تكشف عن طبيعة الموقف الأمريكي الذي كان حتى عهد قريب يعتبره النظام الرسمي العربي كفيل بحماية حقوق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة على حدود الدولة الفلسطينية المقامة على أراضي فلسطين المحتلة سنة 1967، وعاصمتها القدس الشريف، كما أكدت عليها جميع القرارات الأممية التي وافقت عليها الدولة الأمريكية، والتي يوجد عليها إجماع دولي وعربي وإسلامي .. فماذا يريد الرئيس الأمريكي بتقديم هذه الهدية لدولة إسرائيل في هذا الظرف التاريخي ..؟ وهل فقدت المنطقة العربية زمام المبادرة في الضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن هذا القرار المنحاز لإسرائيل ..؟ وماذا بقي في يد العرب والمسلمين للوصول إلى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني ..؟
ما أصبح في حكم المسلم به، هو أن واقع التمزق والتشرذم في العالمين العربي والإسلامي هو الذي سمح للإدارة الأمريكية بالإقدام على هذا القرار الذي بخر آخر ما تبقى من مصداقية لأمريكا كراعية للسلام وللمفاوضات بين طرفي الأزمة، التي ساهم بقاؤها في الفوضى الخلاقة والحروب الأهلية والتكفيرية التي تعيشها المنطقة على وهم الربيع العربي الديمقراطي، الذي تحول إلى خريف أسود وظلامي، كما هو معاش في المنطقة.
لم يعد بإمكان الرباعية التدخل للدفع باتفاق أسلو إلى الأمام، وكلا طرفي الأزمة يحاول عرض مشروع الحل الذي يناسبه، مهما كانت التداعيات والتحديات، وإلى حين التوصل إلى الاعتراف بمشروعية المطالب الفلسطينية في الدولة وعودة اللاجئين لا يتوقع من أمريكا وغيرها الحسم في القضية وإنهاء الصراع، مادامت إسرائيل ومن يدعمها لا يريدون حل القضية وإنصاف الشعب الفلسطيني الذي بدا محيطه العربي والإسلامي يتراجع عن دعم نضاله وحماية حقوقه.
لن نقول، إن أمريكا تريد من موقعها إنهاء الصراع لصالح إسرائيل فقط، لكن، انحيازها ودعمها اللامشروط لإسرائيل يفضح نواياها المعادية بصفة مباشرة اتجاه العرب والمسلمين، إن لم يكن الأمريكيون يفكرون في أكثر من ضمان مصالح إسرائيل في تهويد فلسطين .. ومن المؤكد، أن الإدارة الأمريكية قد وجدت الأرض الخصبة في التراجع عن حيادها في الصراع العربي والأمريكي، و ربما تدفع في اتجاه تعميق التشرذم العربي والإسلامي على ضوء الصراعات التي تعيشها المنطقة التي فقدت بوصلة أولويات سياستها الداخلية والخارجية، فبالأحرى احتضان قضية الشعب الفلسطيني التي تريد الكثير من أنظمة المنطقة رميها نحو المجهول كما يبدو حاليا.