بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام، الذي يصادف 15 نونبر من كل سنة .. المناسبة التي تعتبر وقفة تأمل، يتم من خلالها وقوف المهنيين على مستجدات الحقل الصحافي والإعلامي الوطني، وموعدا سنويا لتثمين المكتسبات التي تحققت، كما المطالبة بالحقوق المشروعة التي يضمنها الدستور المغربي، وليس للاحتفال من أجل الاحتفال والبهرجة والتطبيل فقط .. من أجل ذلك، عقدت الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي مرة أخرى .. أثبتت، أنها قوية، خطابا وحكمة .. والتي ظلت، ومنذ ولادتها خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي ترحب بالنقد البناء، الذي يساهم في ارتقاء مسارها المهني، وتؤمن بالتعددية النقابية، وبثقافة اختلاف الآراء .. عقدت، جلسة عمل داخلية مطولة، خُصصت لمناقشة ما أل إليه الواقع الصحفي والإعلامي ببلادنا، موازاة مع ما يشهده الوطن من حراك سياسي واجتماعي، وما يعرفه المشهد الصحفي والإعلامي من احتقان على خلفية صدور مدونة الصحافة والنشر الجديدة التي تنادي بملاءمة أوضاع المهنيين مع فصولها وموادها، وبخاصة القانون رقم 88/13، مما يؤكد أن تطلعات وانتظارات الفاعلين لم تتحقق رغم التلميح إلى دسترة وتخليق الحياة العامة، ودمقرطة المؤسسات، وإقرار دولة الحق والقانون، و بهذه المناسبة، استعرض الأخ الأمين العام للنقابة كل ما تمكنت الأمانة العامة من تحقيقه في الحقل الصحفي منذ تأسيسها ( 29 يناير 1999)، رغم ضعف الإمكانيات، وفي غياب أي دعم مادي من الحكومة كما تنعم به باقي النقابات و المنظمات.
و رغم ذلك، فقد جدد أعضاء الأمانة العامة بالإجماع قرارهم بالاستمرار في بذل قصارى الجهود لمسايرة الركب -في ظل الوزارة الجديدة التي يوجد على رأسها الدكتور محمد الأعرج- وذلك لإدراكهم بأن الرجل يحاول جهد الإمكان إعادة وضع القطار على سكته الحقيقية .. الذي تدارك الأمر وبادر إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، رفضه إدراج الدعم التكميلي الخاص بصحافيي الصحافة المكتوبة، الذي سبق أن أشرفت على توزيعه النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في عهد وزير الاتصال السابق، بدون سند قانوني، وعلى حساب جمعيات الأعمال الاجتماعية لباقي المنظمات النقابية المشكلة للتعددية في المشهد الصحفي والإعلامي الوطني .. وإذ نثمن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، قرار السيد وزير الثقافة والاتصال، نطالب بتحريك الأجهزة الموكول لها رقابة المال العام لفتح تحقيق في طريقة صرف هذا الدعم التكميلي، وذلك تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء به دستور 2011.
كما تطرق المشاركون في الاحتفال إلى التراجع الذي عرفته وضعية حرية الصحافة، الذي يتجلى في بعض المحاكمات، وكذا الاعتداءات، وعمليات القمع والانتهاكات، والمضايقات المرفوضة، -التي لاسبيل لإعادة ذكرها- التي تعرض لها المهنيون، طيلة السنة الفارطة، أثناء قيامهم بالتغطية للعديد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية السلمية بمختلف المدن المغربية، والتي ترمي إلى لجم كل الأصوات المنددة، والمعارضة لتوجهات بعض اللوبيات التي أوصلت الوطن إلى ما هو عليه من تراجع وتأخر بنيوي .. و وقف أعضاء الأمانة العامة بالمناسبة على سياسة الإقصاء والتهميش الممنهج، والمنع اللاقانوني والغير مبرر، التي ينهجها العديد من المسؤولين، سواء منهم الذين يسهرون على تسيير الجهات الحكومية الرسمية، أو المنتخبين، أو بعض جمعيات المجتمع المدني، أو شركات الخواص، بحيث مُنع الكثير من المنظمات النقابية المهنية من تنظيم ندوات أو أيام دراسية، كما الكثير من الصحافيين والمصورين الصحافيين والمراسلين من تغطية أشغال الدورات العادية من طرف بعض رؤساء المجالس، في ضرب صارخ للحق الدستوري المتعلق بالحصول على المعلومة، وقبلهم أقدم بعض المسؤولين المكلفين بتسيير الملاعب الرياضية، على منع الصحافيين والمصورين الصحافيين والمراسلين من ولوج الملاعب قصد تغطية المقابلات الرياضية .. وفي هذا الصدد، فقد أرسلت الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، في هذا الشأن احتجاجات إلى الجهات المعنية، وتنتظر لحد كتابة هذه السطور ردها.
وقد شدد المنظمون لهذه الجلسة، على أنه لا يجوز إقصاء، أو قمع الصحافيين والإعلاميين، ولاسيما في هذا العهد الجديد .. عهد التغيير والإصلاح السياسي، وعهد ما بعد فاتح يوليوز 2011، بحيث أصبح ذلك (القمع) من مخلفات الماضي الذي ولى بدون رجعة، غير أنه يظهر أن الذين بيدهم تدبير الشأن العام الوطني، لم يستوعبوا بعد أن الإقصاء والتعنيف والمنع بهذا الشكل لا يشكل ظاهرة حضارية، أكثر مما يدعو إلى النفور والتأثير الكبير على واقع حريات الرأي والتعبير والحقوق الصحفية المكتسبة، وإقرار الإعلام الحر المستقل الذي يتحدث عنه الجميع.
وكتتويج لهذه الجلسة المهمة التي دعت إليها المناسبة، لم يفت المجتمعون التطرق أيضا إلى ما يعرفه المنتوج الصحفي من تدهور وسطحية، وهزال مضامين الأعمال الصحفية في مختلف المنابر، سواء منها الورقية أو الالكترونية، وحتى وسائل الإعلام السمعي البصري، على اختلاف تنوعها، سواء الرسمية منها أو الخاصة .. مما يوضح انسداد الآفاق .. وضعف المستوى، وغياب الإبداع والاجتهاد إلى جانب إكراهات الواقع، الذي يتجاوز إمكانيات ومؤهلات القائمين عليها، الشيء الذي يحول بينهم وبين تقديم المنتوج الصحفي الوازن والمطلوب، الذي يمكنه أن يعكس الأحداث المهمة في البلد، وقد وجدتها الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، المناسَبة المناسِبة لحث كل المهنيين المنضوين تحت لوائها على الخصوص، وكافة الفاعلين في الميدان الصحفي والإعلامي الوطني على وجه العموم، على العمل من أجل تطوير المنتوج الصحفي، وترقيته بالشكل الذي يستجيب لانتظارات الرأي العام الوطني، الذي يتطلع إلى الإعلام الوطني المهني المستقل، القادر على أن يجسد على الأرض حقيقة السلطة الرابعة، التي نصت عليها جميع دساتير الوطن.
ومن المعلوم أن النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، طرحت كل هذا، من منطلق تمثيلها لخدام مهنة المتاعب، الذين من واجبهم عليها إيصال أصواتهم إلى الجهات المسؤولة لوضع حد للفوضى المستشرية في الميدان من جهة، والقضاء على الاحتكاريين، الذين “تعج” بهم الساحة من جهة ثانية، كما إتاحة الفرص المواتية من جهة أخرى، لمواكبة التحول السياسي والإصلاحات التي تعرفها البلاد في ظل العهد الجديد، كما تسنى في نفس المناسبة لأعضاء الأمانة العامة التطرق إلى عدد من النقاط التي تهم السير العادي للمكتب المسير للأمانة العامة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– مواصلة مناقشة ملف النقابة المطلبي الذي يتضمن عدة محاور، من شأنها خدمة الحقل الصحفي والإعلامي بكل مكوناته، والذي هو قيد الدرس بين يدي الوزارة الوصية.
– صياغة التعديلات المزمع تقديمها لوزارة الثقافة والاتصال بخصوص المنظومة القانونية الجديدة، وبخاصة القانون رقم 88/13، قصد غربلته من الاختلالات والأعطاب وتجويد نصوصه، وذلك حسب الاتفاق الذي جرى بين السيد وزير الثقافة والاتصال و وفد النقابة في اللقاء الذي جمعهم يوم 11 اكتوبر 2017.
– استعداد الأمانة العامة للنقابة للشروع في إنجاز ملف الاستفادة من الدعم المادي الذي تمنحه الدولة للنقابات من أجل التسيير السنوي، كما تم الاتفاق عليه.
وقبل انفضاض الاجتماع، عبر أعضاء الأمانة العامة على أن النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، هي أمانة في أعناقهم، وأنهم ملتزمون بالمحافظة عليها حتى يتأتى لهم تسليم مشعلها لمن يواظب على ذلك، لتبقى شامخة على مدى الأجيال المقبلة، وتظل على الدوام، المدافع الأول عن الجسم الصحفي والإعلامي بكل مكوناته، متصدية لكل مراكز النفوذ، التي تحاول تهجين وتدجين الإعلاميين والصحافيين للدفاع عن مصالحها الفئوية الضيقة، وتبقى حائط صد يستعصى تجاوزه في وجه الذين تضايقهم الصحافة، وخصوصا المستقلة، الذين يحلو لهم الاستخفاف بدور ومكانة الصحافيين، والإجهاز على حقوقهم، والذين يراهنون على تقليص الهامش المتاح من الحرية .. الذين عليهم أن يدركوا أنه لا يمكن تغطية الشمس بالغربال، وليعلموا جيدا أن الفاعلين المهنيين ماضون في نضالهم، مهما كانت الفرامل والحواجز والقيود، وذلك للمحافظة على حرية الصحافة ونزاهتها، سواء أحب ذلك أعداء كلمة الحق أو كرهوا.
و في ختام الجلسة رفع أعضاء الأمانة العامة باسمهم و نيابة عن جميع المنضوين تحت لواء النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، برقية ولاء و إخلاص إلى السدة العالية باللـه جلالة الملك محمد السادس أعز اللـه أمره، مجددين العزم على السير وراء جلالته بخطى ثابتة