عن سؤال المسؤولية العامة كما شخصها جلالة الملك في خطاب العرش
لا يزال الكثيرون يتساءلون عن جوهر الضجة التي أحدثها خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد لهذه السنة (2017)، في صفوف جميع المغاربة، حيث كان الإجماع على قوة التشخيص الملكي لواقع التدبير الحكومي للشأن العام الذي يتجه في ظل تراجع خدماته إلى أن يصيب الوطن بالسكتة المميتة، رغم أنه يتوفر على كل الحوافز الدستورية والقانونية واللوجستيكية التي تسمح له بالتطور في الخدمات التي يقدمها لصالح المواطنين في جميع القطاعات.
ماذا إذن، عن سؤال المسؤولية العامة التي نزلت أسهمها بفعل تقصير من يمارسها اليوم ..؟ وهل هناك ما يبرر تراجعها في الوقت الراهن ..؟ وهل بدأنا نفتقد إلى الشعور بالمسؤولية العامة في مجتمعنا في الشروط التي توجد عليها المؤسسات المعنية بالتأهيل والتكوين والتأطير ..؟ وهل المؤسسة الحزبية والنقابية المعنية بالأطر التي ترشحها لهذه المسؤولية العامة فقدت الإحساس بقيمة الوظيفة الوطنية التي تقوم بها لتوفير من يمارس هذه المسؤولية العامة، سواء في القطاعات الخدماتية أو الإنتاجية أو التمثيلية ..؟
إن جلالة الملك العارف بواقع مجتمعه، والشاعر بنبضه القلق والرافض والغاضب على مستوى ممارسة المسؤولية العامة اليوم في جميع القطاعات، إنما يحاول إثارة الإحساس والانتباه إلى خطورة ما أصبح عليه أداء هذه المسؤولية العامة من قبل من يرشحون من نخب الأحزاب السياسية والنقابية، الذين تآكلت ثقافاتهم ومعرفتهم وخبرتهم ومؤهلاتهم في المسؤولية العامة التي يمارسونها باسم الشعب والوطن، والذين فقدوا الشعور المواطن بما يجب أن يكون عليه أداؤهم لهذه المسؤولية العامة، وقد بين جلالته بما لايدع مجالا للشك أن الأحزاب والنقابات المعنية بتأهيل النخب لكل تجربة ديمقراطية تشريعية وحكومية قد ترهلت وتراجع إشعاعها في صفوف المواطنين الذين يساندونها في الانتخابات الجماعية والبرلمانية، وأنها مطالبة بنفض الغبار ونقد الذات ومراجعة الأداء إن كانت تريد الحفاظ على مصداقيتها مستقبلا.
إن المغرب دستوريا ومؤسساتيا في التجربة الديمقراطية قد أصبح بشهادة دول الجوار المتوسطي بلدا متقدما صاعدا و نموذجيا في التجربة الديمقراطية .. ولأجل ذلك، يجب أن تكون ممارسة المسؤولية العامة من قبل النحب المتعاقبة عليه والمنحدرة من هذه الأحزاب والنقابات في مستوى هذه المكانة التي يحتلها الوطن اليوم، وعلى جميع المسؤولين استحضار كونهم موظفين عموميين لهذا الشعب، وليس العكس، وعليهم تقديم ما يؤهل تصنيفهم كذلك، وعلى الأحزاب أن تتنافس في تأهيل نخبها والمواطنين من أجل رفع التحدي في تخفيف أرقى المعدلات في إنجاز المسؤولية العامة في المدرسة والمستشفى والمحكمة والإدارة الحكومية والمنتخبة، وذلك أضعف الإيمان بالنسبة لهذه الأحزاب التي لم تتأسس إلا لخدمة الوطن والمواطنين.