رؤية أحمد عصيد إلى ” الحرية و المساواة و الأخوة”
بقلم : عبد الصمد لفضالي
مقالة له تحت عنوان ” حتى لا تفقد الأمة روحها ” كتب أحمد عصيد ما مضمونه، بأن الزعماء السياسيين الفرنسيين تكتلوا ضد اليمين المتطرف، حتى لا تفقد الأمة الفرنسية روحها التي تم إرساؤها بتضحيات جسيمة على قيم الحرية و المساواة و الأخوة، و أضاف أنه لا يمكن اعتبار التكتل ضد حزب سياسي غبر ديمقراطي أمرا مضادا للديمقراطية، بل ينظر الناس إلى الحزب من حيث مشروعه المجتمعي و أهدافه، لأن ذلك يضيف عصيد، هو الذي يحدد إن كان فعلا حزبا ديمقراطيا، كما هو الشأن بالنسبة للحزب النازي في ألمانيا، أو الحزب الفاشي في إيطاليا في منتصف القرن العشرين، أو حزب أردوغان في توركيا حاليا، إن ملاحظة أحمد عصيد تبدو ظاهريا ” منطقية ” .. و لكن، لماذا يقارن الحزبين النازي و الفاشي مع حزب أردوغان التركي، و لم يقارنهما بأحزاب و أنظمة ديكتاتورية كنظام كوريا الشمالية مثلا .. ؟ نحن لا ندافع عن حزب أردوغان أو غيره، فأهل مكة أدرى بشعابها .. و لكن، نثير الانتباه بأن أحمد عصيد له عقدة قهرية ضد أي مشروع إسلامي حتى و إن كان إصلاحيا، و ضد أي سياسة أو نظام له صلة بالإسلام، سواء كان نظام إمارة أو نظام جمهوري، و سواء كان نظاما مجتمعيا عمليا تقدميا، أو متعثرا في الركود و التقليد.في م
وتطرق كذلك أحمد عصيد في مقاله إلى الحالة المصرية، حيث أشار إلى خروج الملايين إلى الشارع لإسقاط نظام الإخوان بعد أن تفطن الناس إلى مآربهم كتفضيل ” ديمقراطية أخف الضررين ” يضيف أحمد عصيد، و نسي بأن المجتمعات العريقة في الديمقراطية لم تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم و ديمقراطية إلا بسبب احترام نتائج صناديق الاقتراع، ثم تقييم عمل الحزب الفائز في شخص رئيسه و محاسبته، وبعد ذلك، تنظيم انتخابات ديمقراطية جديدة على أساس هذا التقييم و المحاسبة من أجل انتخاب الأصلح لتسيير الشأن العام للبلاد، وليس الخروج إلى الشارع تحث ضغوط سياسية مصلحية داخلية و خارجية لمساندة الانقلابات، كانقلاب مصر الناجح بمساندة خارجية لعبد الفتاح السيسي، و انقلاب تركيا الذي فشل بمساندة داخلية لأردوغان، كما أضاف أحمد عصيد، بأن الأحزاب الإسلامية تمثل اليمين المتطرف، و تسعى مثله تماما إلى استغلال صناديق الاقتراع لإدخال البلد في مسلسل العد العكسي التنازلي للديمقراطية التي هي قيم الحرية و المساواة و العدل على أساس المواطنة الجامعة، وهذا كلام جميل من ورائه مكر و ضغينة، فنحن ضد اليمين المتطرف، و ضد أي حزب يتعارض مع قيم الحرية والمساواة، سواء كان هذا الحزب ” إسلاميا ” أو غير ذلك من أحزاب الإيديولوجيات الأخرى، و تحدى أحمد عصيد بأن يكتب مقالا يميز فيه بين الإسلام و مقاصده الحقيقية، و بين ما ألصق بالإسلام من تشدد و إرهاب و دجل، كما نسأل أحمد عصيد، هل قيم الحرية و المساواة و العدل على أساس المواطنة الجامعة يرتكز على مناصرة النزعة العرقية و ما يصطلح عليه بالحريات الفردية من مثلية و فوضى جنسية و بهيمية اجتماعية ..؟ فلا فرق بين الذين يتحاملون على الإسلام لأغراض ليست لهم الشجاعة للإفصاح عنها، و بين الذين يركبون على الاختلاف العرقي بهدف تنفيذ أجندة قوى خارجية لضرب الاستقرار الاجتماعي، كما يجب تفادي كل ما يتسبب في الصراعات المجتمعية حتى و لو كانت حقيقة تاريخية، لأننا لم نشارك في صناعة هذا التاريخ، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم، كما يجب على أحمد عصيد أن يعي جيدا تناقضه مع الديمقراطية المؤسسة على قيم الحرية و المساواة التي يلوك بها لسانه، فمرصده الذي يحمل تسمية ” المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات ” يتناقض مع كل ما هو إنساني و حقوقي، فيجب عليه أن يحفظ عن ظهر قلب، بأنه جاء في المادة الثانية من الإعلان العالمي من حقوق الإنسان ” أن كل إنسان له الحق في التمتع بكافة الحقوق و الحريات دون تمييز اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي ” وهكذا فالشق الأول من تسمية المرصد الذي هو ” المرصد الأمازيغي ” الذي يعني الانتقاء العرقي، لا يمكن ربطه بالشق الثاني من تسمية المرصد الذي هو ” الحقوق و الحريات ” الذي تعني حقوق و حرية الإنسان كيفما كان عرقه و جنسه .. فالحقوق و الحريات يجب أن تستهدف جميع مكونات المجتمع، وليس عرقا بعينيه، كما أن العلمانية التي لا يتبناها أحمد عصيد إلا عند الحاجة .. خصوصا، عند تحامله على الإسلام، و استغلاله في ذلك لفكر و خرجات شيوخ التشدد و الإرهاب، متحاشيا – عن سوء نية – مفكري و مصلحي الإسلام في عصور نهضته، فهي تعني – أي العلمانية البناءة – حرية المعتقد و الاختلاف الفكري، مع قيم أخلاقية لكل مجتمع على حدة، وليس العلمانية اللاإنسانية المرتبطة بما يسعون إلى تمريره تحت اسم ” الحقوق ” الفردية كالمثلية و الرذيلة، و جعل الجسم الإنساني تحت رحمة الأهواء الخبيثة، و ما يتبع ذلك من أمراض عضوية و نفسية، فلكل إيديولوجيا مزبلتها، و نحن نحترم العلمانيين بقدر ما نرفض مزبلة العلمانية، كما أن ” المؤرخ و المنظر ” أحمد عصيد يرتقي من التاريخ ما يتماشى مع نزعته العرقية، معتقدا بأن الكل سيبتلع تأويلاته ” التاريخية ” المضحكة المبكية، متجاهلا بأن نفس التاريخ يروى بطرق مختلفة لأسباب سياسية و مصلحية معينة، و أن الغاية الأساسية من التاريخ هي الاستفادة من أخطاء الماضي، وليس سرده تحت الطلب استرضاء لسياسة فرق تسود.
فالمجتمع المغربي يتكون من خليط تعايشي تسامحي بين سكان إفريقيا الأصليين و الأمازيغ و العرب و المرسكيين و غيرهم، ونسبة كبيرة من خليط هذه المكونات الاجتماعية تحت واقع المصاهرة، كما أنه من المستحيل اختزال الإسلام في الجماعات ” الإسلامية ” المتشددة أو الأحزاب السياسية ذات المرجعيات الإسلامية، فالإسلام أعظم مما نتصور، فهو رسالة عالمية إنسانية تدعو إلى التسامح و التعايش، كما أن من مميزات الإسلام أنه يعتنق من طرف علماء و مفكرين يساهمون في إبراز مقاصد الإسلام و انتشاره، كنهج مستقبلي يدعو إلى الحرية في إطار القيم الأخلاقية و العدل و المساواة، و احترام الاختلاف الفكري و العقائدي.