تقديم
تتمتع الدكتورة نجاة الكص بشخصية متميزة، يطغى عليها التواضع وحب الآخرين والوقوف إلى جانبهم في كل أنواع المحن، وكل هذا جعل منها عنصرا مرغوبا فيه ومحبوبا من لدن الجميع.
في الحقيقة .. وجدنا في هيئة تحرير المستقلة بريس صعوبة كبيرة، في إيجاد الأسلوب المناسب الذي يمكننا من تقديم الدكتورة لقراء الجريدة، وذلك خوفا من أن لا ننصفها أو نقلل من شأنها كمحامية مهنية قديرة لها وزنها، تستحق الاهتمام البالغ.
الدكتورة الكص، لم تأت إلى مجال المحاماة من فراغ، بل اعتمدت على الدراسة والتحصيل وحب المهنة، مما مكنها من دخول مهنة المحاماة من أوسع الأبواب، وجعلها تحظى بالصدى الطيب والمنزلة الخاصة لدى عموم الأوساط المهنية.
استطاعت الدكتورة نجاة أن تلفت إليها الأنظار من خلال اجتهاداتها واقتراحاتها، وكذا كتاباتها في شتى المواضيع، وبصفة خاصة ما يهم المرأة والطفل، بحيث وضعت رجلاها بكل ثبات على أرضية صلبة .. وبالتالي، شقت طريها نحو التألق – نقولها بحياد تام ودون محاباة، حسب ما لدينا من معطيات-، مما جعلها تحظى بعناية جلالة الملك محمد السادس الذي خصها باستقبال ملكي ضمن قامات أخرى في ميدان الفكر والإبداع والبحث .. المناسبة التي شجعتها على إهداء كتابها “مواقف وآراء حول الوضع القانوني للمرأة المغربية” إلى ملك البلاد، الذي كان (الكتاب) من بين المراجع التي اعتمدت عليها اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، فضلا عن عدة قوانين متعلقة بالمرأة، كالتي تخص مدونة الشغل وقانون الجنسية وغيرها من القوانين التي كانت لها فيها اليد البيضاء.
إذن، حتى لا نطيل على قرائنا الكرام، فبين السطور التالية ما يقرب كثيرا إلى هذه النجمة المتلألئة في سماء المحاماة ومجال الفكر والأدب، وكذا النضال في إطار العمل الجمعوي.
بادئ ذي بدء، دكتورة كيف تقدمين نفسك لقراء جريدة المستقلة بريس ..؟
* في الحقيقة من الصعب على الإنسان أن يتحدث عن نفسه وأن يقدمها .. شخصيا اعتدت في الحوارات واللقاءات والندوات أن المشرفين عليها هم من يتولون إعطاء ورقة تعريفية حول شخصي.
لهذا، أفضل أن أوكل لكم أمر تقديمي للقراء وفق ما تتوفرون عليه من معلومات تخصني كإنسانة وكمحامية وكمناضلة نسائية وحقوقية وباحثة ومؤلفة.
حبذا لو تحدثت ولو بشكل مقتضب عن نجاة الإنسانة ..؟
* فلا أخفي عليكم أن الجانب الإنساني هو المتحكم في بناء شخصيتي، لأني منذ عقلت، أحب أن أتمثل ما استطعت في تعاملي وتصرفاتي القيم والمبادئ الإنسانية، وأحرص كثيرا على حضور الإنسانة في داخلي، وأعمل على تنمية وتقوية هذا الوجود والإحساس الإنساني في أعماق قلبي و روحي وعقلي وكل جوارحي .
لذا، دعني أخبرك وبدون أي تحفظ أنني إنسانة بسيطة جدا في حياتي وفي نمط عيشي، وأتعامل مع أي كان بصفته إنسان كما هو وليس على ما يملك، أو على مركزه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، أو غير ذلك من المراكز والمناصب التي يتفاخر بها الناس فيما بينهم، واحترم الناس على مدى حضور البعد الإنساني بكل تمثلاته في ذواتهم، وأركز في احترامهم على سجاياهم ومناقبهم وأخلاقهم وصفاء قلوبهم، وأحترم ذوي المبادئ العالية السامقة، الذين يبهرونني بأناقة وجمال أرواحهم وقلوبهم ورجاحة عقولهم أكثر ما يستهويني فيهم شكلهم .
وبكل صدق، أبوح لكم بأنه رغم تقدمي في السن لم يتغير شعوري وإحساسي .. إنني لازلت طفلة، لم يستطع الزمن أن ينال من براءة طفولتها .. لازلت أحس بنجاة الطفلة حية في داخلي ترتع في كياني، وتعاند الزمن وتقفز على سطح حياتي لتعبر عن مشاعرها بعفوية وصدق الطفولة، مع رجاحة العقل .. مسكونة أنا بنجاة الطفلة الصبية، بقلبي الفياض بالمحبة والخير لكل الناس، ليست لي رغبة في تزكية نفسي حاشا وكلا، بل الصدق وكل الصدق هو ما أقول، شعرت و أشعر لغاية هذه اللحظة، أن قلبي يسع حب جميع الناس ولا حيز ولا مكان فيه لأي مرض من أمراض القلوب.
إن الحقد والحسد والكراهية والضغينة ورد الصاع صاعين، مصطلحات لا يعرفها ولا يقبلها قاموسي، أحب فقط أن أحتفظ ببياض وصفاء قلبي، لهذا تجدني وبفطرتي التي وجدت عليها نفسي منذ صغري، أصفح و أسامح من أساء إلي بقصد أو بدون قصد، وهذه هي بإيجاز نجاة الإنسانة .
ماذا تعني لك مهنة المحاماة ..؟
* المحاماة هي عشقي الأول، وشغفي بممارستها له جذور تضرب بعمق في بداية حياتي، فمنذ صغري كنت أكره الظلم وأحتج بوسائلي الصغيرة، وأدافع عن نفسي، بل وأنتفض وبدون وعي مني للدفاع ومساندة كل من يظلم أمامي أو بحضوري، كنت أحس منذ نعومة أظافري أن كل صفعة تقع على وجه مظلوم كأنها تقع على وجهي، وكنت و لازلت أبذل جهدي للانتصار لأي مظلوم أو مظلومة .. واحترافي لمهنة المحاماة لم يكن صدفة ولا اعتباطا، بل كان حبا واستعدادا نفسانيا وسيكولوجيا، بدأت شرارته داخل أسرتي التي كانت تمجد الذكر وتكرس العقلية الذكورية بامتياز، وأسرتي هذه وأقاربي كانوا يتنبئون لي قبل بداية دراستي الأولية أنني سأكون إما محامية أو صحافية .. وبالتالي، فتحق في إن شئتم مقولة أن المحامي يولد محاميا والقاضي تصنعه الظروف.
أحب مهنة المحاماة، فهي مهنة النضال والنبل وإنصاف المظلومين والدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم وأعراضهم .. وهي مهنة العظماء، ودارسي التاريخ يعلمون أن أكبر ساسة العالم كانوا محامين لأنهم أصحاب قضايا وملفات .
أحب المحاماة لأنها مهنة حرة، و تنسجم مع تركيبتي كإنسانة حرة في تفكيري، لا أحب من يملي علي أوامره أو يفرض علي تعليماته، ولأن المحامي يتمتع بحرية كبيرة في اختيار نوعية وكمية ملفاته وقضاياه، فكنت ولازلت وسأبقى مادمت ألبس البذلة السوداء لا أنوب إلا في الملفات التي أؤمن بصدقية أصحابها أو بكونهم ضحايا ظلم أو تعسف أو استغلال أو عنف أو غيره.
وأرفض أنواع كثيرة من الملفات التي لا أستطيع المرافعة أو الدفاع عن أصحابها كلما كنت غير مقتنعة بعدم عدالتها.
ماهو الثمن الذي دفعته د. نجاة دفاعاً عن كلمتها الحرة ..؟
* إنه في الغالب ومع الأسف فمجتمعنا لا يقبل الكلمة الحرة الصادقة، بل يحلو له سماع أسلوب المداهنة والمراوغة ولحن القول حتى لا أقول شيئا أخر، كل هم أفراد هذا المجتمع هو إرضاء الآخرين، وكثير منهم يأخذ بالقاعدة التي تقول ” إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساؤوا أسأت” .. غير أنني لست من هذه الشريحة التي تسعى للحصول على رضا الآخرين، فما يهمني هو أن أكون مقتنعة ومؤمنة بما أقوم به وما أدلي به من آراء، أما ما يفكر به الآخرون فذاك شأنهم، فغالبا ما أقول كلمتي وأنصرف وأنا راضية عن نفسي .. ومع ذلك، فإن الثمن الذي دفعته عن كلمتي الحرة الصادقة لم يكن سهلا، فصراحتي كانت تزعج من يتبنى آراء أو إيديولوجيات أو ألوان حزبية مختلفة و ضيقة، فكنت ألاحظ أن الكثير وإن كانوا لا يستطيعون مواجهتي صراحة، إلا أنني كنت ألاحظ أنهم يتهيبون لوجودي في المنابر والمحافل التي كنت أرافع فيها أو أحاضر أو أدلي بٍرأي في مسألة من المسائل أو قضية من القضايا التي تهم الناس والمجتمع .
فكل من كان يعمل في مجالي أو يشتغل بنفس انشغالاتي المهنية و الجمعوية والنضالية كانوا ولا زالوا يعلمون أنني لا أخاف في قول الحق لومة لائم، ولو كان رأيي يخالف ملايين، بل البلايين من البشر .. ولا يختلف اثنان على الجرأة التي أتميز بها في التعبير عن أرائي .. لقد حاول بعض المنافسين والمنافسات إسكاتي وإبعادي لحضور كثير من المناسبات حتى لا يتم تسليط الضوء علي، فلقد كانت و لازالت كلمتي تخرج من قلبي و تدخل مباشرة إلى قلوب الشرفاء و النزهاء الذين يميزون بين الغث والسمين، والطيب والخبيث، والمناضل الصادق، وغيرهم ممن يقومون بالركوب على أعمال الآخرين، وقرصنة أفكارهم وإنتاجهم الفكري دون أي احترام للأمانة العلمية .. لكن، صدق كلمتي وعمق تفكيري جعلا مني إنسانة تهتم بالثقافة العامة والشاملة، علاوة على تخصصي في القانون، الشيء الذي يمكنني أن أناقش وأدلي برأيي في الكثير من المواضيع المختلفة، ونظرا لتميزي بالمصداقية والصدق واحترام النفس وتقديرها، حظيت ومازلت أحظى باحترام وتقدير كبيرين من طرف المنافسين قبل الأصدقاء.
وسأظل كما أنا، ولن أغير لوني أو جلدتي، لأني ولدت بفطرة عدم الخنوع والخضوع وكره عقلية القطيع، فلا يمكن أن ألغي عقلي لإرضاء الناس وهي غاية لا تدرك على كل حال.
أما عن سؤالك، فكما أسلفت فحبي للمحاماة يجري في دمي ولو رجع الزمن فلن اختار إلا مهنة المحاماة ولن أرضى بغيرها بديلا.
ماذا تمثل لك شهادة مؤرخ المملكة في كتابه “دليل المرأة المغربة”، المتمثلة في اعترافه بمساهماتك الفكرية ونضالاتك المتعددة ..؟
* فعلا، قد أشاد بي مؤرخ المملكة السيد عبد الحق المريني، وذكرني ضمن النساء الرائدات في كتابه، “دليل المرأة” الذي كان موضوع حوار معه في مجلة نجمة في عدد 97بتاريخ يوليوز / غشت 2014.
في البداية لا يسعني إلا أن أشكره و أقول له إنني ممنونة لكم سيدي مؤرخ المملكة، وللتاريخ الذي ينصف كل الفاعلين والمناضلين وصانعي الحدث والمهتمين والمحبين لأوطانهم، فما كتبه مؤرخ المملكة ماهو إلا من باب تحصيل حاصل، لان تاريخي ودوري في العمل الجمعوي والنسائي و الحقوقي شيء معلوم ومعروف لدى العاملين والعاملات في مجالات الدفاع والمرافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة والطفل بشكل خاص، هذا الشق الذي كتبت فيه وحاضرت ونشرت فيه كثيرا من إنتاجاتي الفكرية والعلمية، وهي أعمال وأبحاث ودراسات وكتب و العديد من المقالات المعمقة و الموثقة، والمنشورة عبر الصحف والجرائد الملتزمة منذ 25 سنة .. فضلا عن حضوري الإعلامي، سواء في الإذاعات الوطنية أو المستقلة، إضافة إلى حضوري في الإعلام المرئي، عن طريق مشاركتي في عدة برامج، كان لبعض منها كبير الأثر في تغيير القوانين المتعلقة بالمرأة، ويكفي لكل من له الرغبة في التعرف أكثر على أعمالي يمكنه الرجوع إلى كل من محركي البحث “كوكل ويوتوب” ليقف بنفسه على بعض أعمالي وفي مجالات مختلفة، لا لشيء، فقط إلا لتحقيق طموحي في أن أكون إنسانة فاعلة ذات بصمات في مجتمعي، وليست مجرد متفرجة على الأحداث .. الشيء الذي جعلني أتعفف عن بعض المناصب التي عرضت علي حتى أظل ذات كلمة صادقة حرة دون أن أذوب في إيديولوجية معينة تحد من حريتي في التعبير.
ولقد حظيت باعتراف الكثير من الجمعيات والجرائد بتكريمات متعددة، وصنفت في العديد من المرات في جرائد ومجلات ملتزمة من ضمن النساء الرائدات والأوائل في النضال الحقوقي و النسائي.
وقبل أن يدخل اسمي للتاريخ الرسمي للبلاد، كنت قد دخلت فعلا قبل ذلك بأعمالي ونضالي، إيمانا مني أن الإنسان هو الذي يكتب تاريخه قبل أن يكتب التاريخ عنه، وذلك بعمله ونضاله، وقبل أن أدخل للتاريخ الرسمي، قد سبق أن حظيت سنة 2004 بمناسبة عيد الشباب بالاستقبال الملكي، حيث استقبلني جلالة الملك مع ثلة من المفكرين والمبدعين والباحثين والكتاب، وأهديته بهذه المناسبة كتابي “مواقف و أراء حول الوضع القانوني للمرأة المغربية”، الذي نشرته سنة 2002، و كان (الكتاب) من بين أهم المراجع التي اعتمدت عليها اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية .
المعروف عن الدكتورة نجاة الكص، فضلا عن أنها محامية وفاعلة جمعوية، هي كاتبة ومؤلفة، ترى لمن تكتب نجاة ..؟
* أكتب لجميع شرائح المجتمع و في القضايا التي تهمه، كقضايا حقوق الإنسان بشكل عام والمرأة والطفل والأسرة بشكل خاص، و حرية الرأي و التعبير، وأكتب و أرافع عن القضية الصحراوية، و في الدستور، وقد لامست تقريبا و أدليت برأيي في جميع المجالات التي تهم وطني في السياسة والشأن العام، ودافعت عن القضاء من خلال الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، وكتبت و رافعت عن مهنة المحاماة .. ولم يسبق لي أبدا أن ندمت عن شيء كتبته أو قلته لأني مقتنعة ومؤمنة بما أقول.
أنت بصدد كتابة سيرتك الذاتية، فعلى أي شكل ستكتب هذه السيرة .. الشكل التقليدي السردي، أم الشكل التصويري، أو الشكل الروائي ..؟
* فعلا، إنني بصدد كتابة سيرة ذاتية سأحكي فيها تجربتي بشكل سردي في شتى المجالات التي اشتغلت فيها، تجربتي في الحياة منذ الولادة، وسأروي عن طفولتي وحياتي الزوجية ومساراتي الأخرى المهنية والعلمية والنضالية و الفكرية، وستنشر إن شاء الله قريبا وستكون لكم فرصة الاطلاع على مضمونها ومحتوياتها.
الغاية من كتابة السيرة الذاتية تكمن في تخفيف العبء عن عاتق صاحبها بنقل التجربة الذاتية إلى الآخرين، فهل ثمة في تجربة د.نجاة ما يستفيد منه المجتمع، وبخاصة المرأة ..؟
*إن الغاية من كتابة سيرتي الذاتية هي رغبة مني في تأريخ مسيرة حياتي بكل تفاصيلها من تحديات وصعوبات وطموحات ونجاحات وانكسارات، مع إعطاء العبر التي خرجت منها في كل تجربة، وما تعلمته منها مع بعث الرسالة التي أريد أن أوجهها للقراء وإلي كل المهتمين، خاصة الشباب المبتدئ في الحياة، الذين سأقول لهم أن لا شيء يستحيل على الإنسان تحقيقه إذا ما توفرت لديه الإرادة، وحدد الأهداف، واشتغل وثابر في العمل على تحقيقها، آنذاك سيعلم أنه لا وجود للعراقيل مع توفر الإرادة و العزيمة و الإصرار.
ترأسين الجمعية المغربية لتنمية أسرة الألفية الثالثة، ترى هل استطاعت جمعيتكم سن ضمانات قانونية حمائية خاصة بالأسرة ..؟
* أظن أن من أهدافها السامية هي إنتاج الفكر والمعرفة وتقديم الكثير من الاقتراحات والمطالب التي رأى أكثرها النور، ويكفي الرجوع إلى ما كتبته الصحافة عن الجمعية لتقفوا بأنفسكم على ما حققت، بل يكفيكم قراءة فقط المذكرة الاقتراحية التي قدمتها جمعيتي، وحررتها شخصيا لتروا مدى استجابة الدستور الجديد للمطالب المسطرة فيها .
إن الجمعية دافعت على الأسرة وطالبت في مذكرتها الاقتراحية المقدمة للجنة المذكورة أعلاه باعتبار الأسرة شأنا وطنيا و مؤسسة دستورية، مع تحميل الدولة كامل مسؤوليتها في تقديم الدعم المادي والمعنوي للأسر المعوزة أو التي في وضعية هشة، وهذا ما تم تحقيقه في دستور 2011، وطالبت الجمعية أيضا تمكين المرأة من المناصفة في تولي مراكز القرار، هذا على المستوى القانوني، المشكل الأساسي الآن يكمن في تنزيل النص على أرض الواقع.
ما هي أهم المشروعات التي تقدمها الجمعية لخدمة المجتمع بصفة عامة، ولصالح المرأة على وجه الخصوص ..؟
* الجمعية تقدم إنتاج فكري واقتراحات و مرافعات لصالح الأسرة و مكوناتها رجالا و نساء و أطفالا لتمتعهم الدولة وتمكنهم من حقوقهم الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والبيئية، وكل ما يتعلق بحقوق الإنسان ويوفر له العيش الكريم.
من أين تحصل الجمعية على التمويل اللازم لإنجاز المشروعات..؟
* منذ أن أسست الجمعية المغربية لتنمية أسرة الألفية سنة 2006، التي من أهدافها الإنتاج الفكري والمرافعة والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان بشكل عام والأسرة بكل مكوناتها رجالا ونساء وأطفالا، وبما أنها ليست ذات طابع إحساني أو خيري، فكنت ولازلت اعتمد على مواردي الخاصة في تمويل الندوات التي تقوم بها الجمعية، خاصة لا أجد صعوبة في وجود قاعات لإلقاء الندوات، فكل الجهات حقيقة ترحب بطلبي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هيئة المحامين بالدار البيضاء وبصفتي محامية تمكنني من القاعة وكل ما يلزم لإقامة الندوات، واغتنم الفرصة لأشكر كافة النقباء والمسؤولين عن هيئة المحامين بالدار البيضاء الذين لا يدخرون جهدا في تمكيني بكل ما يلزم للإعداد للندوات، والذين أجد فيهم الدعم والتحفيز والتشجيع ولهم مني تحية إجلال وتقدير.
طمعا في المزيد من التوضيح .. هل المقترحات والتوصيات التي تتم صياغتها من طرف الجمعية تؤخذ بعين الاعتبار من لدن الجهات المختصة ..؟
* في الحقيقة، جميع الاقتراحات والمطالب التي كنت أنادي بها، سواء بصفتي الشخصية عن طريق مقالاتي وبحوثي ومشاركتي المتعددة في الندوات في كل المنابر والمحافل التي كنت أحاضر فيها كانت دائما تؤخذ بعين الاعتبار، فأغلب اقتراحاتي أصبحت تشريعات اليوم، وسيطول بي المقام لذكر ما تحقق لي من اقتراحات ومطالب في تغيير القوانين المتعلقة بالمرأة والطفل وبالأسرة وغيرها .. فقد رافعت الجمعية ودافعت على الأسرة و ضرورة إنشاء صندوق التكافل العائلي الذي طالبت به حتى قبل تأسيس جمعية أسرة الألفية الثالثة.
وقد طالبت بأن يكون يوم 10 أكتوبر هو احتفال باليوم الوطني للمرأة المغربية، حسب ما تشهد به جريدة الصباح عدد1840 بتاريخ : 08/03/2006، وهذا ما تحقق فعلا في الواقع وأصبحت المرأة تحتفي بهذا التاريخ بعيدها الوطني
ترى ماذا عن التكريمات التي حظيت بها جمعية أسرة الألفية الثالثة، والدكتورة نجاة كرئيسة لها ..؟
* نعم، نلت كرئيسة للجمعية عدة تكريمات، انضافت للتكريمات السابقة التي نلتها بصفتي ككاتبة و مناضلة .. كتكريم 2002، من طرف جريدة العلم، حيث وضعتني على رأس النساء الأوائل والرائدات في النضال النسائي والحقوقي في صفحتها مغربيات 2002 وجوه و محطات.
التكريم الملكي بمناسبة عيد الشباب سنة 2004، بقصر مرشان بطنجة مع ثلة من المبدعين و المفكرين المغاربة، وقد تحدثت بعض الصحف عن هذا الحدث بما فيها جريدة العلم بتحرير من الصحفية لطيفة نفيل .
تكريم جريدة LA GAZETE DU MAROC سنة 2005، حيث اعتبرتني من بين 100 شخصية التي صنعت الحدث في هذه السنة بفضل مجهوداتي و أعمالي الكثيرة، حول الدفاع عن حق الأطفال من الزواج المختلط للحصول على الجنسية المغربية عن طريق الأم .. وكانت آخر مرافعة إعلامية مرئية أنجزتها لفائدة الزواج المختلط وأطفاله، هي التي شاركت فيها في برنامج “لكم الكلمة ” للقناة الثانية مع نسيمة الحر، حول جنسية أطفال الزواج المختلط الذي بثته القناة مباشرة بتاريخ 24 يوليوز 2005، وبمناسبة الخطاب الملكي بعد أسبوع فقط على فوات البرنامج بتاريخ 30 يوليوز، قرر جلالته تخويل الأم المغربية الحق في نقل جنسيتها المغربية لأبنائها في الزواج المختلط .
كما أنني كرمت سنة 2008، من طرف جريدة الصحراء المغربية من بين ثمانية نسوة، ولقبتني هذه الصحيفة “صانعة مدونة الأسرة” أنجزت هذه الصفحة الصحفية فاطمة ياسين، -غير أنني لا أتفق على هذا اللقب-، لأنني و إن كنت ساهمت مساهمة فعالة في تغيير مدونة الأحوال الشخصية بجميع الوسائل المكتوبة والمسموعة و المرئية وفي مختلف الندوات الوطنية و الدولية، إلا أنني انتقدت الكثير من المقتضيات التي جاءت بها مدونة الأسرة، لأنني لم أطلبها في كتابي مواقف و أراء، المعتمد لدى اللجنة الملكية، وكدليل على ذلك، انتقادي الشديد للتطليق بالشقاق الذي نصت عليه المادة 94 من مدونة الأسرة، و هذا ما كتبته في هذا الموضوع ونشرته جريدة المساء 8/04/2010 .
تم تكريمي من طرف مجلة سيتادين بتاريخ مارس 2010، كرئيسة للجمعية المغربية للألفية الثالثة، واعتبرتني من بين 14أبرز الشخصيات النسائية في العمل الاجتماعي، و لقبتني هذه المجلة باسم سفيرة الأسرة ومتحدثة باسمها ومحاميتها .. وتم تكريمي كذلك من طرف قناة الثامنة سنة 2011، مع إنجاز ربورتاج خاص بي كرئيسة للجمعية و من رائدات العمل الاجتماعي في المغرب .. و قد تم بث هذا البرنامج حول سيرتي الذاتية و يمكنكم الرجوع إلى هذا الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=W-LtETK32H0
كما تم تكريم الجمعية المغربية لتنمية الألفية الثالثة في شخصي كرئيسة لها من طرف عدة جمعيات وطنية، التي كانت تقيم لي أعراسا للاحتفاء بي .
البيت والأبناء، عبء يضاف إلى هموم المهنة والعمل الجمعوي والنضال وهم الكتابة والتأليف، كيف توفقين بين هذه الهموم كلها..؟
* صحيح، أن هناك تراكم في المسؤوليات والمهام بالنسبة لأي امرأة تعمل خارج البيت، ويسكنها هاجس التغيير وحب الوطن، وتطمح في الاشتغال في عدة مجالات لخدمته حتى تكون إنسانة فاعلة وليست متفرجة .
الحقيقة، أن المسؤولية صعبة جدا، وكانت لها تأثيرات على صحتي وعلى الوقت الممنوح لأبنائي، إنها فعلا مهمة صعبة، وفيها الكثير من نكران الذات والتضحية، لكن، كنت أجاهد نفسي، وأجاهدها وأطلب العون والمدد من الله للتغلب على المعيقات .. وكنت ككل النساء العاملات استعين ببعض المساعدات، أعتمد على نوعية الوقت و كيفيته وليس كميته، و حظيت أيضا بمساعدة زوجي الذي كان بحكم طبيعة عمله يتوفر على هامش كبير من الوقت الذي كان يستثمره في حضوره مع أبنائنا، فله مني كل الشكر والامتنان فقد كان بحق أبا مسؤولا و مثاليا .. وكذلك، كنت أعتمد على النظام في حياتي وتحديد أهدافي ومدة تحقيقها، وبالتنظيم المحكم للوقت، تمكنت والحمد لله من تحقيق أكثر مما كنت أطمح إليه .. واستطيع أن أجزم اليوم وبفضل وعون الله، وكذا المعطيات المفصلة أعلاه، أنني نجحت في مهمتي المقدسة كأم في تربية أبنائي تربية سليمة ومتوازنة ومستقرة، فكل أبنائي مستقلين الآن، و وصلوا لمستويات دراسية عالية جدا، وناجحين في حياتهم، وسلكوا و نهجوا كلهم نفس توجيهي القانوني، ومنهم من يعمل إما في مجالي أو في مسؤوليات قانونية متشابهة في مجالات أخرى، وأنا فخورة جدا بهم.
في حياتك المهنية هل من موقف مؤثر لايزال بالذاكرة ..؟
* ليس لي إلا ذكريات ليست فقط جميلة، بل رائعة، والتي أحبها وأنا مدينة لكل ما حققت لله أولا ولبعض النقباء المتعاقبين على هيئة المحامين بالدار البيضاء، و لكافة زملائي وزميلاتي فلهم مني الشكر الجزيل لتشجيعاتهم، والشكر موصول لأساتذتي منذ دراستي الابتدائية إلى الدراسات العليا ونيل شهادة الدكتوراه على التحفيز و الدعم المعنوي الذي وجدته فيهم كرجال علم، فلهم مني كل الاحترام والتقدير. مع التسطير على مسألة أساسية، أن كل التجمعات البشرية لا تخلو من بعض المنافسين والمنافسات حول التصورات والأفكار، و لكن تبقى إيجابية ولم تؤثر في، بل دفعتني إلى الأمام، و بشكل عام، ليس لي أي موقف، بل العكس أنا راضية عن محيطي وعن مهنتي و عن كل ما وفقني الله في تحقيقه من مساهمات كان لها كبير الأثر في تغيير الكثير من المقتضيات القانونية في مجموعة من الميادين .
هل هناك من قرار ندمت على اتخاذه ..؟
* في الحقيقة إن جميع قراراتي التي اتخذتها في حياتي لم تكن اعتباطا ولا تسرعا، ولكن كانت نتيجة لتفكير عميق ونظرة شمولية، وبعد تقليب الأمور جيدا قبل أن أتخذ أي قرار مهما كان صعبا .. وبالتالي، لست نادمة على أي قرار اتخذته في حياتي، فأغلب قراراتي كان لها نصيب من الصواب، وإن كان بعضها لم يصل لدرجة ما كنت أتمناه أو أتوخاه، فإنه كان مع ذلك فرصة للتجربة من خلالها تعلمت الكثير واستفدت من بعض القرارات أكثر ما ندمت عليها، و أخلص للقول أنني راضية عن مساري الذي حققت فيه بفضل ربي أكثر مما كنت أحلم به .
رسالتك للمحامين المبتدئين ..؟
* المحاماة هي مهنة نبيلة وعظيمة، ونظرا لسموها، فأول شيء يمكنني أن أوجهه للشباب، أن لا يجعلوا من مهنة المحاماة كمخرج لهم من انسداد الأفق وعدم إيجاد شغل، أو جعلها مخرجا لبطالتهم، إن مهنة المحاماة تتطلب أولا وقبل كل شيء أن لا يلتحق بها إلا من يحب الدفاع عن المظلومين والمهمشين وأصحاب الحقوق الضائعة، فعلى كل من يقبل على احتراف المحاماة أن يكون له حس إنساني ونضالي، لان المحاماة هي نضال، والمحامي هو المناضل الأول والمدافع عن حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم وعلى كل ما يتعلق بهم، كما أن على كل شاب التحق بمهنة المحاماة أو ينوي شرف الانتماء إليها ألا يكون دافعه هو الحصول على وضع مادي مريح على حساب إخلاله بقانون و أعراف وتقاليد المهنة.
أقول لكل محامي شاب بان المهنة ليست بالشيء الهين والسهل، بل هي مسؤولية وأمانة كبيرة على عاتقه، عليه أن يتحلى بصفات العدل والنزاهة والموضوعية وحب المهنة لذاتها وليس لأغراض غير أخلاقية، فالمهنة أمانة عظمى ذات ثقل كبير في الدنيا و الآخرة.
قبل الوداع ماذا تريدين قوله في كلمة حرة ..؟
* أتمنى أن يمدني الله بموفور الصحة و العافية وبفيض من الإيمان، وأن يرزقني بالحول والقوة، حتى أواصل مسيرتي النضالية، و إيصال رسالتي بكلمتي المكتوبة، خاصة، لأنني أطمح في إعطاء المزيد من الوقت للكتابة والتأليف، وأسأل الله أن يعينني على إخراج كتابين أشتغل عليهما ألان، يؤرخان لمساري النضالي حتى لا تنساني الذاكرة الفردية والجماعية، وأن لا أتعرض لإهمال المؤرخين في كتابة مسيرتي النضالية، لذا أفضل أن أكتب تاريخي بنفسي كتجربة قد تفيد الشباب و الأجيال المقبلة، وتبقى شاهدة على مروري وبصماتي و تخلد اسمي بعد اختفائي من هذه الحياة الزائلة .
عرض الأستاذة نجاة الكص، خلال اللقاء الدراسي التشاوري “من أجل قوانين تحمي المرأة من العنف والاستغلال”