أردوغان من فبركة الانقلاب إلى الاستفتاء على توسيع صلاحياته
قد تكون نتيجة الاستفتاء الذي نظمه أردوغان لتكريس نموذج حكمه الإخواني، قد حقق جل الأهداف التي كان يتطلع إليها من تنظيمه، ويكفي أن نتيجة الاستفتاء التي لم تتجاوز 51.3 %، كافية للتأكيد على الشعبية التي يتمتع بها أردوغان رغم تشكيك وطعن المعارضة في نتائج أكثر من 37 % ، من الأصوات، ودون مزايدات يعتبر هذا الانتصار لأردوغان الضربة القاضية لخصومه في تركيا وخارجها، حيث سيسمح هذا الاستفتاء للرئيس بتوسيع صلاحياته الدستورية والانتقال بنظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي ونهاية للأتاتوركية التي ظل العمل بها منذ سنة 1925.
إن مجرد طرح التعديل للدستور لتوسيع اختصاصات الرئيس يترجم انعدام الإيمان بالديمقراطية التي تستهدف تقليص حكم الفرد والطبقة، وتمكين القاعدة العريضة من هذا الحق، كما هو الحال في النظام البرلماني الذي يبقى على علاقة أفضل من النظام الرئاسي الذي يتحول فيه الرئيس إلى دكتاتور ومست، وفي الحالة التركية الهدف هو إلغاء النظام السياسي العلماني الأتاتوركي واستبداله بالنظام الرئاسي في أفق تحويله إلى الهدف المحوري الذي يسعى حزب العدالة والتنمية الوصول إليه، هو إعدام الديمقراطية الانتخابية وتحويلها إلى الخلافة العثمانية بلباس الدولة المدنية الحديثة التي يستحضر فيها الأتراك أمجادهم التاريخية الإمبراطورية، وتكريس مفهوم الديمقراطية الذي يبنونه والقائم على الهيمنة على المجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة، الذي يوجه مشروع الإخوان المسلمين في السياسة، سواء في تركيا أو في غيرها من الدول.
لم تكن النتائج في الاستفتاء كما أراد أردوغان، حيث عكست نسبة 51.3 ، غياب الأغلبية المطلقة التي تجعل الرئيس مطمئنا لمستقبل حكمه، كما عكست الانقسام الحاد في المجتمع التركي، وربما عن عدم نزاهة الاستفتاء، كما تقول الأحزاب المعارضة التركية، وإن أكد القضاء ذلك، ستكون النتيجة كارثية، وهذا مستبعد مادام أردوغان بعد الانقلاب الذي فبركه قد ظهر القضاء وغيره من مؤسسات الدولة من الذين يعارضونه، اللهم إن اهتدت المعارضة إلى ما يمكنها من ممارسة الضغط عليه وإرغامه على إعادة الاستفتاء الذي سيكون حتما في صالحها، كما أن الأتراك قد يقطعون الطريق على إخوان حزب العدالة والتنمية إذا ما تحكموا في أسئلة الاستفتاء وفي الأصوات التي يحتاجون إليها لفرملة أردوغان على تحقيق أهدافه، أو وقعت أحداث غير متوقعة في تركيا في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والسياسي والثقافي التركي الراهن.
على نقيض ما يدعيه أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فإن سوء الأوضاع لا يزال واضحا في نسب النمو الاقتصادي المنخفضة، وفي قيمة العملة التركية الضعيفة، وفي واقع المجتمع التركي الذي يعاني من الانقسام العرقي، نتيجة مطالبة الأكراد بالاستقلال، وفي تدني مستوى معيشة الشرائح الفقيرة في المجتمع وارتفاع المديونية الأجنبية التي تشكل معظم الناتج الداخلي الخام، إلى جانب العزلة السياسية، نتيجة سوء السياسة الخارجية مع دول الجوار في الاتحاد الأوربي والعالم العربي .. ناهيك عن انعدام الشعور بالأمن والاستقرار، نتيجة التراجع عن احترام حقوق الإنسان و فرض قوانين الدولة البوليسية ضد جميع المعارضين من الأتراك والأكراد.