الإسلام لايمتلك مقومات المرجعية السياسية للدولة (تابع)
د. الصديق بزاوي
إن القول بأن الإسلام يشكل المرجعية في المشروع السياسي الإسلامي لا يعني كون الشريعة تتوفر على جميع القواعد الصريحة المفصلة التي يتطلبها تسيير الدولة وتنظيم مؤسساتها وتحديد اختصاصاتها، كما هو الحال في الأنظمة العلمانية التي تخضع لترسانة من القوانين الوضعية الدستورية والفرعية المرتبة في مدونات جامعة مانعة، والتي تراكمت عبر التاريخ .. و لكنه يعني بكل بساطة، اعتبار الشريعة أسمى قانون في الدولة، حيث لا يعلو عليه أي قانون وضعي ولا يجوز أن يخالفه .. وإن سمو الشريعة على جميع قوانين الدولة لا يعني أبدا تغييب القوانين الوضعية التي يمكن أن يتوصل إليها الإنسان بحكم تجربته واجتهاده وإبداعاته، بل إن ذلك الاجتهاد مطلوب شرعا وضروري لصياغة القواعد الشرعية الكلية على شكل قواعد تفصيلية فرعية مرتبة في أبواب تتفرع إلى فصول ومواد بغية تدقيقها وتبسيطها وتسهيل الولوج إليها، وذلك تماما مثل الصيغ التي تتخذها سائر القوانين المعمول بها في كل بلاد الدنيا .. فشريعتنا، والحمد لله، لا تمنع من الاستفادة من تجارب غيرنا من الأمم والمجتمعات، بل على العكس من ذلك، فهي تحثنا على طلب الحكمة .. فما أبلغ حديث الرسول النبي الكريم: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.”
إن المشروع الإسلامي لا يهدم الحضارات ولا يزلزل أنظمة الحكم القائمة، كما يتوهم البعض، وإنما فقط، يقوم بإصلاحها وترشيدها، إنه يأخذ الصالح ويترك الطالح، باعتماد أصول الشريعة ومقاصدها كمعيار للتمييز دون غيرها .. وهذا هو نهج الإسلام نفسه عندما أبقى بكثير من العادات والأعراف التي كانت موجودة قبل الوحي، سواء عند العرب أو عند غيرهم من العجم، ولذلك فالمشروع الإسلامي يجوز أن يتخذ نفس شكل الأنظمة المعاصرة، غربية كانت أم شرقية، وأن يبقي بالقوانين الدستورية والمدنية والتجارية والجبائية والجنائية، وبنفس المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية وأجهزتها، شريطة إخضاعها للشريعة باستبدال ما يتعارض معها بما يوافقها .. وهذا هو المقصود باعتماد المرجعية الإسلامية وبمقولة “الإسلام هو الحل” .. وبكل اختصار، فإن الدستور وهو أسمى القوانين الوضعية في كل البلاد الإسلامية، يجب أن ينص على أنه يعتمد الإسلام كمرجعية عليا للحكم، وأن جميع بنوده تخضع لضوابط الشرع، شأنها في ذلك شأن كل القوانين التنظيمية والمراسيم التنفيذية والمعاملات التجارية والمالية والعلاقات الدولية، والتعامل مع المواثيق والقيم الكونية .. كما يجب أن يتم تفعيل ذلك في الواقع لا أن يكون مجرد شعار للاستهلاك .. أما مسألة الصياغة فلا تعدو أن تكون من الأمور الشكلية والتي يجب ألا تؤثر على جوهر الموضوع.
إن إقرارنا بالحقائق السابقة لا يمنعنا من الاعتراف بكون البحث الإسلامي في المجال السياسي لا يزال ضعيفا جدا، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الراهنة والمستجدات المعاصرة، وهذا ما يدعو إلى مضاعفة الجهود من أجل إغناء البحث في هذا المجال وتحيين ما تراكم من الفقه عبر العصور.
أما فيما يخص مسألة مقاربة شعار (الإسلام هو الحل) مع شعار(الديمقراطية هي الحل) الذي يتبناه بعض الإسلاميين ويعتبره العلماني مجرد غوغاء كلامية، فإننا نعتقد بأنه في حاجة إلى مراجعة .. فالإسلام أعم وأشمل لمختلف جوانب الحياة، في حين أن الديمقراطية تتعلق بواحد من جوانبها فقط وهو الجانب السياسي، ولذلك فهي لا تشكل إلا جزءا من الكل، المتمثل في الإسلام، أو أداة من أدواته فقط .