لطفي موقدمين
وأنا أقرأ أحد الكتب القيمة في مجال علم الاجتماع، شدت انتباهي مجموعة من الأفكار .. خصوصا، عند تحليله لمفهوم المجتمع، بحيث عرفه بأنه مجموعة من الأفراد تعيش في موقع معين ترتبط بعلاقات ثقافية واجتماعية معينة، يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح والاحتياجات .. تعريف جميل و منطقي في نظري .. خصوصا، إذا علمنا أن أفراد المجتمع يتشاركون هموما أو اهتمامات مشتركة تعمل على تطوير ثقافة ووعي مشترك يطبع المجتمع وأفراده بصفات مشتركة تشكل شخصية هذا المجتمع وهويته، والذي يحكم التفوق من الانحطاط في الجماعة الإنسانية، هو طريقة التراكب والتراص للشبكة الداخلية وهو ما يميز الفحم عن الألماس؛ فكله فحم ..! ولكن، صلابة الألماس تعود لهندسة الذرات الداخلية، بالمقابل و بالنظر من زاوية التراتب الاجتماعي نجد انقسام الناس إلى طبقات اقتصادية اجتماعية، ونتيجة لذلك يبرز التفاوت في الممتلكات والسيطرة على الموارد المادية، والحصول على الفرص التعليمية والوظيفية .. فالإقصاء الاجتماعي لا ينتج فقط من إقصاء بعض الناس، وإنما مناطق وأقاليم و جهات بعينها لسبب من الأسباب .. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إقليم تاونات و ما أدراك بتاونات بمؤهلاته الطبيعية و البشرية والاقتصادية .. بالرغم من ذلك، يظل التهميش سيد موقفه، وهكذا فقد أصبحنا نلاحظ بالملموس في الواقع المعاش أن هذا الإقليم يعج بفئات كثيرة تعتبر ضحية إقصاء اجتماعي، يتمثّل بعزل أفراده عن المشاركة الكاملة في المجتمع والعيش على الهامش .. وهو إبعاد يحرم الأفراد من معظم أوجه الحياة، لا لشيء، إلا لأنهم ينتمون إلى أسر فقيرة أو إلى منطقة نائية أو دوار معين أو (…)، ولعل أكبر الضحايا من هذا الإقصاء الممنهج أو غير الممنهج هي فئة الشباب الذين يعانون من مشكلة ضعف الشعور بالانتماء إلى محيطهم الاجتماعي بشكل عام، فلا تسمع سوى مصطلحات {الحريك -ماكاين مايدار- الهجرة –الانتحار—المخدرات .. الخ …} فالشعور بالغربة على أرضهم وبين دويهم، وعدم الانتماء، هي عملية انفصام قائمة الذات بينهم والمجتمع .. فالجسد الواحد والكيان الواحد ضرب من ضروب الخيال، ومن ثم لا يسعدون لسعادته ولا يتألمون لآلامه .. فالانتماء للإقليم يرتبط بمدى رضا الشباب عنه.
فأهم الأسباب لضعف الانتماء في مختلف المجالات لديهم بهذا الإقليم هي: الشعور بالإقصاء و التهميش، وذلك بعدم الرعاية والاهتمام، وأن حقوقهم مهدورة .. خصوصا، عند اصطدام الشاب بمشكلات واقعية كغياب ضروريات الحياة من قبيل صعوبة و استحالة الحصول على عمل مناسب .. صعوبة الزواج وإيجاد مسكن وتكوين أسرة، أما وسائل الترفيه فحدث و لا حرج .. ولعل هذا من بين الأسباب التي تنال من شعوره بالانتماء كفرد وسط الجماعة التي تحتضنه إذا كانت هناك أصلا عملية احتضان.
في تقديري و استنادا على ثنائية الحق و الواجب، فإن الشاب حتى يكون محبا لإقليمه و جهته ووطنه ومتفانيا في العطاء والانتماء الحقيقي، لابد أن يشعر بأنه جزء من هذا الشعب، وليس على هامشه، وأنه مشارك في صنع القرار، وأنه مشارك في التنمية ويستفيد بعوائد هذه التنمية كجزء منها .. و في غياب مشروع مجتمعي طموح له أبعاده العلمية يوحد الناس لتفجير الطاقات الساكنة، ولأننا نفتقده، فبالتأكيد نفقد الانتماء الحقيقي له وافتقاد روح المواطنة الحقة، و هذا شيء خطير مادام حب الأوطان من الإيمان .. خاصة وأن الشباب الآن يشعرون بالغبن والحزن عندما يجدون أقاليم قريبة منا كانت في الأمس القريب تتذيل المراتب، و الآن حدثت بها طفرة في كل المجالات عادت بالخير الوفير على أفراد ساكنتها، ونحن لم نحرك ساكنا، أو لكي لا نكون جاحدين لقد حركنا الساكن فظل الساكن ساكنا .
فإقليم تاونات بحاجة ماسة إلى أفكار خلاقة، وثقافة جديدة، تعالج قضايا العصر ومشكلاته وهمومه .. وهذا لن يتأتى إلا بتضافر الجهود، وخاصة من طرف المنتخبين الذين يتحملون مسؤولية أمانة صناديق الاقتراع .. فمن الخطأ الاقتصار على الصراعات السياسية الفارغة من المحتوى أو الحسابات الشخصية الضيقة التي تؤثر على الإقليم بأسره، أو اجترار ثقافة عصور غابرة لم يعد لها في واقع اليوم من أثر يذكر أو تحكم أصحاب {الشكارة} في صنع القرار الذي يعود بالفائدة لحسابهم الخاص فقط.
في النهاية نخلص إلى نتيجة سريعة غالبا ما يخلص إليها أي متأمل للوضع المزري و غير المشرف لهذه الربوع هي أن الإرادة السياسية لتحقيق تنمية حقيقية في هذا الإقليم العزيز، و في نشر مبادئ المساواة و الديمقراطية لا تزال في المرحلة الجنينية .. نتمنى صادقين أن لا تكون الولادة بطريقة قيصرية إذا كانت هناك ولادة أصلا .. خصوصا، مع المتغيرات الدستورية و الهيكلية الجديدة، ولقد صدق من قال : إن لغد لناظره قريب .