سعد الدين العثماني وضرورة تجاوز أخطاء بن كيران في مشاورات تشكيل الحكومة
ما كان مستحبا أن تثار الضجة الإعلامية حول إعفاء بن كيران من الاستمرار في المشاورات لتشكيل الحكومة، بعد أن أدرك استحالة انتزاع الموافقة من الأطراف الحزبية التي حاورها .. فما كتب حول موضوع الإعفاء اختلط فيه الموقف بين الموضوعي والمزايد والمنتقم والساخر إلى الدرجة التي غابت فيها الرؤيا الملائمة للحدث وتداعياته .. وفي هذا الإطار، يتحمل حزب العدالة والتنمية المسؤولية بعد أن حشر نفسه كطرف معني في الحوار مع الأطراف الحزبية، من موقعه المعارض لمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة التي كان سيقودها بن كيران.
ما يمكن القول به من وجهات النظر حول قرار إعفاء بن كيران، هو أن هذا الأخير فشل في الإبقاء على حق حزبه في المشاورات، وقراره بإيقافها في انتظار التحكيم الملكي، إلى جانب تمسك أحزاب الأغلبية السابقة بمشاركة الاتحاد الاشتراكي في التحالف الحكومي من أجل حكومة وأغلبية قوية ومنسجمة، بالرغم أن هذا الأخير قد أصبح جزءا من الأغلبية بعد رئاسته لمجلس النواب الذي اعتبره بن كيران خروجا عن المنهجية الديمقراطية.
طبعا، وصول المشاورات إلى قرار الإعفاء يعني بالضرورة أن بن كيران وحزبه لم يستوعبا مضمون هذا التمرين الديمقراطي المغربي الذي لا مكان فيه لهيمنة الحزب الوحيد، وضرورة تشكيل الحكومة الائتلافية المتوافقة على البرنامج الحكومي الذي يسمح لأحزاب التحالف بترجمة برامجها الانتخابية خلال وجودها في هذه الحكومة الائتلافية .. ونظن في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن بن كيران كان على علم بذلك، انطلاقا من خلاصات تجربته في الحكومة المنتهية ولايتها .. ونعتقد، أن الدرس قد وصل لمناضلي وقياديي حزب العدالة والتنمية.
من ما لا شك فيه، أن قرار إعفاء بن كيران فرضه فشله في إقناع محاوريه، وإيجاد القواسم المشتركة معهم، كما أن اختيار جلالة الملك للدكتور سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، يدخل في هذا الاتجاه، إن كان سعد الدين يعي صعوبة المهمة وما تفرضه من متطلبات لتحقيق التوافق مع الأطراف التي يحاورها، وهي التي ستجعل التمرين الديمقراطي الذي مر منه حزب العدالة والتنمية في صالحه، بعيدا عن المواقف المتصلبة التي عبر عنها عبد الإله بن كيران والتي أدت إلى “البلوكاج” الحكومي.
إن سعد الدين العثماني، يتوفر من خلال تكوينه العلمي والسياسي على ما يؤهله لتحقيق المرونة المطلوبة في المفاوضات .. خصوصا، إذا ركز فيها على المشترك مع الأحزاب التي يفاوضها، وقدم التنازلات المطلوبة لأجل ذلك، بدل إشهار اللاءات التي عبر عنها بن كيران التي لم تكن في صالحه على امتداد زمن هذه المشاورات .. ومن المؤكد، أن خليفة بن كيران سيركز مفاوضاته حول البرنامج الانتخابي لحزبه والنقط المشتركة التي يمكن أن تسمح للمفاوضين بالموافقة على المشاركة في الحكومة .. فما لا يعرفه بن كيران أو تجاهله، هو أن الأحزاب التي تفاوضه لها برامج انتخابية مختلفة عن برنامج حزبه، ولا يمكن إقناعها إذا لم يتمكن من إدماجها في برنامج الحكومة التي يريد قيادتها.
الكرة الآن، بعد بيان الديوان الملكي لدى حزب العدالة والتنمية الذي عبرت أمانته عن التفاعل الإيجابي مع مضمونه الذي يجب أن يتبلور في تقديم خليفة بن كيران القادر على الدفع بالمشاورات والإسراع فيها لتشكيل الحكومة، إلا إذا كان الحزب عبر مجلسه الوطني يختار التضامن مع بن كيران والاستمرار في نهجه الذي ووجه ب.”البلوكاج” مع الأحزاب التي تم التفاوض معها، وحينما نقول الكرة في ملعب العدالة والتنمية، فهذا يعني أنه لم تعد هناك خيارات أخرى يمكن استغلالها للالتفاف على المشاركين في المشاورات.