تجربتان و مساران
من خلال هذا المقال أريد أن أقف معك عزيزي القارئ على الخلاصات التالية:
• أننا كموظفين مغاربة كثيرا ما أهلكت الإدارة حرثنا العملي و نسلنا الفكري..
• أن مسؤولينا لا يدبرون مهامهم الإدارية بحس المصلحة الوطنية في تجلياتها الكبرى، و إنما من خلال ثقوب ضيقة..
• أن هناك إدارات بالدول الإفريقية تتفوق على نظيرتها المغربية من حيث تفكيرها و قراراتها الإستراتيجية
أصل الحكاية
يوم 12 يونيو 2013، أقلعت بنا طائرة كبرى تابعة لشركة لوفثانزا الألمانية من مطار فرانكفورت في اتجاه مطار مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا على المحيط الهادي .. دامت الرحلة حوالي 12 ساعة، عبرنا خلالها المحيط الأطلسي و الجنوب الشرقي لكندا، و كذا المجال الجوي للولايات المتحدة من شرقها إلى أقصى غربها .. سيَتَبَيَّنُ لي لاحقا أنه على متن نفس الطائرة كان مشاركون آخرون من جنسيات أخرى يقصدون نفس الجامعة التي دأبت على استضافة رجال و نساء من حقل التربية و التعليم صيف كل سنة، من أجل إطلاعهم على الثقافة و أسلوب العيش الأمريكي، فضلا عن تكوين أكاديمي في موضوع “المساواة و الولوج إلى التربية“.
مسار
جمعني البرنامج المسمى ب”معهد دراسة الولايات المتحدة— Study of the United States Institute” بعشرين مشاركا من عشرين بلداً، بمعدل مشارك من كل بلد، ((من إفريقيا : جيبوتي، سودانية، جنوب إفريقية و مغربي .. من الشرق الأوسط: أردنية، و تركي .. من أسيا و الهند : هندية، أفغاني، فيتنامي، مينمارية .. أمريكا اللاتينية: مكسيكية، شيلية، إكوادورية .. من أوربا : فرنسيتان، يونانية، بيلاروسية، نرويجية و دنماركي؛ فضلا عن مُشارِكة من نيوزيلاندا)). كل هؤلاء مرتبطين بتدريس اللغة الأنجليزية أو بمهام إدارية تربوية، و تم انتقاؤهم، بناءً على سيرهم الذاتية وتجاربهم الحياتية و نشاطاتهم الفكرية و المدنية، من طرف السفارات الأمريكية بذات البلدان على مدى إجراء زمني من ثلاثة أشهر تقريبا، تضمن ما يشبه مباراة كتابية و مقابلة على الهاتف (في حالتي دامت نصف ساعة).
عَبدُ اللهِ عثمان، مشاركٌ من دولة جيبوتي المتواجدة بمنطقة القرن الإفريقي، اشتغل مدرسا للغة الأنجليزية، أب لأسرة؛ عربي قح، ملتزم بتعاليم الإسلام، وله إلمام واسع بالشأن العربي و بالثقافة الأمريكية .. أول ما أثار انتباهي فيه ونحن بفندق الإقامة هو أنه لم ينسى أن يُضَمِّنَ حقيبة سفره إلى أمريكا سجادة الصلاة و بوصلة لتحديد القبلة .. ظَنُّ عثمان لم يخب، إذ بالإضافة إلى المعلومات التي طلبتها منا اللجنة المشرفة (مكونة من ثلاثة نساء قياديات، و مشرف أكاديمي) شهرا قبل البرنامج كانت تتعلق بعادات الأكل و العبادة .. بحيث تضمن كتاب البرنامج الذي سيمتد على مدى ستة أسابيع، و الذي تزامن حينها مع شهري شعبان و رمضان(صيف 2013)، مواقيت الصلوات الخمس لهذين الشهرين الفضيلين حسب توقيت مدينة شيغو(Chico) مقر الجامع .
بالنسبة لعثمان، ربما أحد أهم التجارب التي جعلته مرشحا قويا للمشاركة في ذاك البرنامج كانت تجربةً دوليةً له في مدينة بورث Perth باستراليا ضمن برنامج متعلق بإعداد المناهج الدراسية في صيف 2012، سنة واحدة بعد تجربته بأمريكا سيتمكن عثمان من الحصول على منحة خولت له المشاركة في تدريب بالهند حول موضوع “التنمية بالعالم القروي”، فضلا عن هذا شارك عثمان –و دائما بناءً على تقديمه لطلب منحة – في برامج لاحقة و مشابهة في كل من كينيا و جنوب إفريقيا.
عقليتان و إدارتان
ومع كل تلك الإنجازات (2012-2015) لم يكن عبد اللهِ عثمان قد بلغ أوج النجاح بعد، إذ سيتمكن في يوليوز من سنة 2015، من الحصول على منحة “تشيفنينغ”، التي تقدمها الحكومة البريطانية لنخبةٍ دولية ترى فيها قدرتها على القيادة و التأثير الإيجابي، وذلك للدراسة بسلك الماجستير بجامعة بيرمنكهام Birmingham ، تخصص “تدريس اللغة الأنجليزية كلغة أجنبية TEFL”، للموسم الدراسي 2015-2016 .
قبل بضعة أيام نشر صديقي عثمان، من مقر عمله بالعاصمة جيبوتي، و الذي طالما اعتبرني بالولايات المتحدة قدوة و نموذجاً وقصفني غير ما مرة بوابل من الإطراء، على حائطه الفايسبوكي ما يلي” أنا سعيد بإخباركم بأن أطروحتي للماجستير تم اختيارها كواحدة من أفضل البحوت لسنة 2016، من طرف جامعة بيرمنكهام” ، و أردف شاكراً، ” و بهذه المناسبة أود أن أشكر معالي وزير التربية و التكوين المهني، الدكتور Dr. Djama Elmi Okieh لترخيصه لي بمواصلتي دراستي”، مذيلا تدوينته بالرابط إلى موقع الجامعة حيث مصدر الخبر ..!
هذا البوست (post)، وإن بدا للبعض عاديا، فإن وَقْعَهُ علي كان مؤلماً و جعلني أحس بظلم وطني لي، و لكثير من أبنائه، لدرجة جعلت سمة إقبار الطموح و تحطيم الكفاءات تلتصق ببلدنا المغرب، الذي برهن مواطنوه بالخارج أنهم أكثر الناس عطاءً و عبقريةً و تعريفا بالمغرب و بقضيته و ثقافته و خصوصيته.
فإذا كان معالي الوزير التربية بدولة جيبوتي قد رخص لأحد موظفيه البسطاء لمواصلة مسيرته العلمية، لإيمان الطرفين بأن العلم أساس رفع الشعوب و ذكرها، فإن وزيري المغربي، في شخص الوزير المنتدب الدكتور الحركي خالد بورجاوي، لم يرخص لي بمتابعة دراستي بواحدة من أرقى الجامعات الأمريكية في مجال الديبلوماسية و العلاقات الدولية، مسنوداً بمنحة من لدن الجامعة تقترب من 30 مليون سنتيم، بدعوى الخصاص الحاد في طاقم التدريس ..!
لكن، للأسف الشديد، لم يمضي على الرد الوزيري على طلبي، الذي كان بالمناسبة موضوع سؤال برلماني، بضعة أشهرٍ حتى لاحظنا كيف عمدت الوزارة إلى توظيف أكثر من 10000متعاقد من جهة، و أعفت، بالمقابل، مآت آخرين لأسباب مجهولة؛ مُفَوِتَةً عَلَيَّ و على وطني فرصةً لا تقدر بثمن !! فالوزارة فضلت أن أُواصل إسماع صوتي لقاصرين من أبناء جلدتي، للعام العشرين على التوالي، على أن أسمع صوتَ وطني للأجانب، و لو لبضعة شهور، قبل أن اعود لمواصلة مسيرتي بروح و رؤية جديدتين!!
فحسبي الله و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
(وحرر بتاونات، بقلم : ذ. عبد اللـه عزوزي، بتاريخ 20 جمادى الثانية 1438، الموافق ل 19 مارس 2017).