حاول مؤسس والمدير السابق ليومية الأحداث المغربية استعراض تحولات المشهد الصحفي المغربي من خلال تراكماته التي تركت بصماتها على ما أصبح عليه المنتوج الصحفي المغربي في زمن الثورة التكنولوجية الحديثة، التي أصبحت معها الصحافة الورقية الحزبية والمستقلة والرسمية تعاني من أزمة وجود، قد تفضي إلى إفلاسها في المستقبل القريب.

حرص ذ.محمد البريني، مساء يوم الثلاثاء 28 فبراير المنصرم، خلال الندوة التي نُظمت بمعهد الدراسات العليا في التدبير بالدار البيضاء ( )على تسليط الأضواء على ما قامت به الصحافة المغربية من خلال منتوجها الحزبي أو المستقل في أهم مراحل التاريخ المغربي المعاصر منذ نشأتها في عهد الحماية إلى العهد الجديد .. مرورا بأهم المحطات التي جسدت في فترة الحماية روح المقاومة، وبعد الاستقلال في مشروع المقاومة وتكريس الهوية الثقافية، وبعد تراكم التحولات في القرن الماضي، وانتظارات المغاربة من أجل الدسترة والتحرر والتطور والاستقلال وبروز تحولاتها في الممارسة المهنية في الاندماج مع الصيرورة المجتمعية التي رافقت الإصلاحات الدستورية والسياسية التي يشهدها الوطن، سواء من مواقعها الحزبية أو المستقلة بالرغم من عدم تطور منظومتها القانونية التي لا زالت دون طموحات المهنيين إلى الآن.

بكل تأكيد، عمل البريني على عرض ملامح الصحافة المغربية من خلال تفاعلها مع الأحداث الكبرى الوطنية، عبر نماذجها في الصحافة الحزبية والرسمية والمستقلة ليصل في نهاية كل مرحلة إلى ما راكمته من مكاسب مهنية وتنظيمية قانونية، خاصة الصحافة الحزبية في مراحل النضال الوطني قبل الاستقلال والنضال الديمقراطي في عهد الاستقلال إلى تفعيل الوجود المستقل عن القوى السياسية والاقتصادية، مبرزا واقع الصحافة الحزبية الذي ظل خاضعا لتوجهات القيادات الحزبية التي كانت تعتبر ذلك من صلاحيتها ومظاهر نفوذها، وتجسيدا للأداء الحزبي المطلوب منها، مما ساهم في تأخرها على مستوى الممارسة المهنية، وتحديث ممارستها التي حرمتها من التفاعل مع المتغيرات العالمية الجديدة، خاصة صحافة أحزاب الكتلة الوطنية في البداية والكتلة الديمقراطية فيما بعد.

ما استأثر اهتمام ذ.محمد البريني هو واقع الصحافة الورقية بكل اتجاهاتها التي أصبحت تواجه أزمة وجود في مقابل التطور الكمي والكيفي للصحافة الإلكترونية بكل وسائطها التقنية في الصياغة والتصوير والتسجيل، التي أحدثت انقلابا جذريا أصبح من الطبيعي على الصحافة الورقية أن تتفاعل معه حتى تحافظ على وجودها .. وفي هذا الإطار، وقف على قضايا التأهيل والتكوين المستمر ومرجعة البرامج والقوانين التي لا مفر منها للصحافة الورقية، التي تكاد تحتضر رغم الدعم الذي تتلقاه، واحتكارها للإعلان الإشهاري لتمويل مصاريفها المتزايدة في ظل المنافسة التي تواجهها مع الصحافة الإلكترونية التي ارتفع اهتمام المغاربة بها، وتوسعت مجالات تعاطيهم مع تقنياتها و وسائطها التكنولوجية المتجددة، التي رفعت رقم مشاركتهم في الاشتغال عليها إلى أكثر من 9 ملايين، في الوقت الذي تراجعت فيه الصحافة الورقية إصدارا ورواجا، نتيجة تأخرها الواضح في معالجة جوانب ضعفها الكفيلة يتوفير وسائل المنافسة والتحدي للتطور الجارف في المجال الإعلامي والصحفي المعاصر، ناهيك عن حجم ما راكمته الصحف الحزبية والمستقلة الكبرى طيلة فترة هيمنتها التي لم تنتبه إليها للزيادة في رواجها، وفي اهتمام القراء بمبادراتها وأنماط عملها في كل أجناس العمل الصحفي الذي لم يراع حتى القوة الشرائية ودرجة الأمية التي تسيطر على المجتمع.

نجح ذ.محمد البريني في النقاش التفاعلي مع مداخلته، حينما تحدث بصراحة عن حقيقة ما أصبح عليه المشهد الصحفي الورقي، سواء الحزبي أو المستقل، وما يعيشه المشهد الإلكتروني الوطني والعالمي الذي أصبح مطالبا بتفعيل الحكامة والتحديث في مناهجه ووسائطه والقوانين التي يشتغل عليها، حتى تكون خلاصته عن واقع الصحافة التي تعيش اليوم أزمة وجود لا مفر منها، سواء لتطوير وظائفها أو الارتقاء بها لخدمة رهانات المجتمع والوطن في الظرف الراهن في جميع المجالات، مما يستوجب تضافر جهود كافة المتدخلين.