لا يا كمال القصير * بن كيران لم يعد يملك الأوراق الضاغطة في تشكيل الحكومة المقبلة
تتجه المشاورات التي أصبح بن كيران ملزما بها لإنهاء “البلوكاج” في وجه حكومة التحالف التي يتطلع إلى الإعلان عنها قريبا، مما يعني أن تعقيدات المشهد السياسي يا كمال القصير لم تعد تمنح من يقوم بهذه المشاورات حرية التصرف والتحكم في مسارها، سيما بعد أن أصبح حزب التجمع الوطني للأحرار في شخص زعيمه عزيز اخنوش يوجه المشاورات إلى ما يسمح لكتلة الرباعي بانتزاع المزيد من التنازلات من الرئيس المكلف بالتشكيل الحكومي.
طبعا، لا نقاش أو رفض لميزان القوى الانتخابي لصالح حزب العدالة والتنمية في الشروط التي تتم فيها العملية الانتخابية، بدون تجسيد لمقدسات الوطن الدينية السياسية والثقافية، التي تتيح لحزب الرئيس المكلف استغلالها لصالحه ضد خصومه، خاصة المتعلقة بالمعتقد الديني المشترك الذي يوظفه ضد العلمانيين والليبراليين في المشهد السياسي الوطني بامتياز خلال جميع العمليات الانتخابية، التي شارك فيها، والتي يعتبر فيها خصومه السياسيين ملحدين وفاسدين، والتي يضع فيها نفسه حارسا لتدين المجتمع ومرجعيته الروحية، مع علمه و وعيه بأن هذه المرجعية الروحية تشكل معتقدا مشتركا بين الأغلبية المجتمعية في الوطن الذي لا توظفه باقي الأحزاب في العملية الانتخابية، كما أنه يسوق للمرجعية المشتركة بين المغاربة على أنها مرجعيته المذهبية، وهذا ما يتنافى ومبدأ تكافئ الفرص بين كافة أطراف العمل الحزبي في الوطن، والتي يمنعها قانون الأحزاب ودستور المغرب، والتي يظل الإعلان عنها للملك بصفة مطلقة فقط.
إن ما قلته عن الأزمة المنتظرة للأحزاب التي تحدث حزب العدالة والتنمية عنها، لا يوجد ما يبرر حدوثه، باستثناء انخراط هذه الأحزاب في معركة تجديد نخبها وأجهزتها التقريرية في المؤتمرات الوطنية التي ستعقدها قريب، وهذا شأن داخلي خالص لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيه لهذه الأحزاب التي يبقى مناضلوها وحدهم المعنيون بنتائج هذه المؤتمرات، مع الملاحظة أن الحزب الأغلبي بدأ يمارس سلوك الوصي على الأوضاع الداخلية لهذه الأحزاب من خلال اختراقاته وتدخلاته لمناصرة التيارات المتصارعة داخلها عبر أكثر من وسيلة مشروعة وغير مشروعة.
لن نصادر حقك في القراءة الشخصية للمشهد السياسي الوطني، لكن تعبيرك عن رؤى مستقبلية يتجاوز سقف الممكن في التعرف على ما يجري في الحياة الداخلية للأحزاب التي تتخيل أزماتها دون أن تشارك في خلافات مناضليها الداخلية، فهذا ما لا يجب أن تعبر عنه يا أخ كمال القصير .. سيما وأن القراءات الانطباعية نادرا ما تكون صحيحة، فبالأحرى في المشهد السياسي الوطني، الذي تتحكم في ديناميته تحركات ممارسيه الكثير من العوامل التي لا يمكن معرفتها قبل حدوثها.
ما يهمنا، إذن، في حاضر المشهد السياسي الوطني، رغم تعقيداته، هو أن نتتبع ديناميته في المسارات التي تتجه إليها و نترك للأطراف الحزبية المعنية بهذه الدينامية الداخلية الحق في التفسير والتوضيح الذي يهم تحرك مناضليها، سواء مع قيادات أحزابهم أو ضدها، وليظل توجهنا نحو ما توحي به هذه الدينامية بالنسبة لحاضر ومستقبل هذه الأحزاب التي لا شك أنها تعرف حدود مبادراتها اتجاه مشاكل أحزابها الداخلية، بعيدا عن الوجهات التي يمكن أن تقترحها من خارجها.
إذن، لا يا كمال القصير، فالتعقيدات التي تراها في المشهد السياسي ما هي إلا مفاتيح للحلول التي ستختارها قواعد هذه الأحزاب في المؤتمرات الوطنية التي ستعقدها في الآجال التي ستمددها أجهزتها التقريرية، وما عليك وعلينا إلا انتظار ما ستؤدي إليه الدينامية التي تعيشها هذه الأحزاب، سواء التي ستكون في الأغلبية أو المعارضة، ولحظتها يمكن أن تكون قراءتنا صحيحة وملائمة لمعطيات تطور هذا المشهد السياسي الوطني.
من جهة أخرى، لتكن يا أخ كمال على بينة من أن غنى وارتقاء المشهد السياسي الوطني لم يصل يعد إلى الدرجة التي يصعب علينا التعاطي النقدي مع تطوراته واتجاهات خلافاته الداخلية، التي تظل حتمية في صيرورته المذهبية والنضالية والتنظيرية، كما يحدث لجميع ظواهر الوجود الاجتماعي في إطار الجدلية التي تتحكم في نشأتها وتداعياتها.
*باحث سياسي وكاتب