لماذا تمنع السلطة نواب المعارضة من فضح الوزراء و المسؤولين الفاسدين ..؟
فيصل زقاد
ما حدث البارحة، تحت قبة البرلمان، سابقة خطيرة من نوعها ينذر بتأزم أوضاع الشارع الجزائري، أكثر مما عليها الآن، خاصة مع اندلاع موجة الاحتجاجات التي سببها قانون المالية الحالي، الذي أضعف من القدرة الشرائية للمواطن و أنهك كاهله، بعد الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية .
ففي اجتماع مغلق مع لجنة الشؤون القانونية و الإدارية أقدم رؤساء الكتل البرلمانية، بحضور رئيس المجلس الشعبي الوطني، باقتراح مواد في النظام الداخلي للمجلس، تقيد من الحصانة البرلمانية للنواب من خلال تمكين رئيس الجلسة من التدخل لوقف مداخلات النواب في حال “ثبت مرافعتهم لمصالح شخصية، و تصفية الحسابات “تحت عنوان ” تقييد حصانة النواب و أخلقة العمل السياسي في البرلمان.
صحيح أن معظم مداخلات النواب بائسة ولا ترقى إلى تطلعات الشعب الجزائري، لكن أن يرافع برلماني لمصالحه الشخصية فهذا، كذب و افتراء .
طبعا، أن أقصد هنا ما بقي من المعارضة التي يريدون تكميم أفواهها، بهذا الاقتراح، الذي هو بحق، خرق صارخ للدستور الجزائري، خاصة في مادته 114، التي استحدثها المشرع، لتعزز من حريات البرلماني، حيث نصت صراحة على أن ” المعارضة البرلمانية تتمتع بحقوق تمكنها من المشاركة الفعلية في الأشغال البرلمانية وفي الحياة السياسية، لا سيما منها، حرية الرأي والتعبير والاجتماع”.
كما جاء أيضا في المادة 126 من الدستور المعدل بأن ” الحصانة البرلمانيّة مُعترَف بها للنّوّاب ولأعضاء مجلس الأمّة مدّة نيابتهم ومهمّتهم البرلمانيّة، ولا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا .. وعلى العموم، لا يمكن أن ترفع عليهم أي دعوى مدنيّة أو جزائيّة أو يسلّط عليهم أيّ ضغط بسبب ما عبّروا عنه من آراء أو ما تلفّظوا به من كلام، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامّهم البرلمانيّة”.
كلنا يعلم أن السلطة الجزائرية بارعة في ابتكار المصطلحات التي تحاول من ورائها، أن تغطي استبدادها و تعسفها في تشريع قوانين جائرة و كابحة للحريات، على شاكلة “منع التطاول على وزراء الحكومة”، حتى لا يتجرأ ممثلو الشعب على فضح ممارسات هؤلاء الوزراء الذين لا يساءلون قضائيا حتى و لو اقترفوا كل الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري .
هي ليست المرة الأولى التي عمد المشرع الجزائري على سن مواد، تعطل من متابعة المختلسين لأموال الدولة، و ما قانون الإجراءات الجزائية الذي تم تعديله ببعيد .
ففي اصطلاح جديد تحت عنوان “منع تجريم تسيير مسؤولي المؤسسات العمومية، عمدت السلطة على إدراج المادة 6 مكرر(المستحدثة بموجب الأمر رقم 15 – 02 المؤرخ في 23 يوليو سنة 2015)، والتي أكدت على أنه ” لا تحرك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية والاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات الرأسمال المختلط عن أعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة إلا بناء على شكوى من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة المنصوص عليها في القانون التجاري، وفي التشريع الساري المفعول”.
هذه المادة التي كبلت يد النيابة العامة في استعمال صلاحياتها التي منحها إياها القانون سالف الذكر، رغم أنه أقر في مادته الأولى أن ” الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها و يباشرها رجال القضاء أو الموظفون المعهود إليهم بمقتضى هذا القانون” .
و السؤال المطروح هنا : إلى متى سيستمر القائمون على شؤون البلاد على المضي قدما في كبح جماح المعارضة و منعها من كشف الوزراء و المسؤولين الفاسدين، رغم الفضائح المدوية، التي أصبحت تتصدر الجرائد و تتحدث عنها القنوات التلفزيونة الوطنية منها و الدولية ..؟