يوسف الإدريسي
أسوأ ما يمكن أن يحدث في مدينة اليوسفية، أو كما يصفها دوما الزميل نور الدين الطويليع بيتيمة المدائن التي تئن في صمت رهيب، بل تحتضر دون أن يصل إليها ملك الموت ليقضي أمرا كان مفعولا، هو أن يتحول إعلامها إلى حلبة صراع معلن وخفي بين أناس انتدبوا أنفسهم للمرافعة على هموم البؤساء من المواطنين، كيفما كان الثمن وكيفما كان حجم ضريبة القلم التي للأسف تقاس بمنطق الربح والخسارة
من فضلكم لا تقولوا إني أستهوي ممارسة الأستاذية، أو إني أرى دائما النصف الفارغ من الكأس عوض رؤية النصف الآخر الممتلئ، فكأسكم بالنسبة لي لا توجد فيه قطرة ماء واحدة
في حديث لي مع أحد الزملاء الصحفيين الذي أكِنّ له احتراما خاصا لسابقته في الساحة الإعلامية المحلية، أومأ لي بكلمات مشفرة وكأنه يشفق لحالي كوني أصبّ الماء في إناء ليس له قعر، أذكر أنه قال لي بما معناه؛ إني أغنّي في قاعة فارغة أمام كراس خشبية لا تستطيع الكلام .. بعد انصرافه قاومت نفسي حتى لا أقتنع بكلامه الحارق، غير أن ذلك لم يمنعني من مساءلة ذاتية وطرح أسئلة هي أقرب إلى سياط الجلد منه إلى استفهامات تقييمية في مجال يُعنى أساسا بتوعية القارئ؛ كم من الأخبار الخادعة التي نُشرت بهدف تهريب النقاش وتحوير الحقائق ..؟
ما مدى احترام المعايير المهنية لإيصال الرسالة الإعلامية المتوخاة ..؟
كيف يعمد البعض إلى المبالغة في تقديم أخبار الجرائم بشكل يوحي إلى صورة نمطية تترسخ في مخيال القريب والبعيد عن المدينة ..؟
كيف يسمح البعض لنفسه ويجوّز لها محاكمة الناس والتفتيش في نواياهم والخدش في حياتهم الخاصة ..؟
كيف يعطي الإعلاميون المحليون لأنفسهم الحق في الاصطفاف الحزبي الضيق بمقاسات نفعية ذاتية ..؟
لايمكن للصحفي أو الإعلامي بشكل عام الذي يحترم ابتداء نفسه ويحترم أيضا رسالته، أن يعمل على تمويه الرأي العام بدعوى أن خطه التحريري يقتضي الولاء السياسي أو العيني أو السلطوي، وأن الاستقلالية شعار متجاوز وغير سليم .. كما لا يمكنه أن ينتسب إلى الجسم الإعلامي مادام أنه يمعن بإصرار في خذلان المواطن، الحجر الزاوية الذي يرتبط وجوده بوجود الرسالة الإعلامية في بعدها الإنساني
لهذا السبب لن يرضى عنا الأولون والآخرون ما دمنا نعطي للرسالة الإعلامية فضول رغباتنا ونزعاتنا.