إنه زمـن القيادات الشعبوية ..!
ربما لم يعد ممكنا مراعاة المعايير والقواعد والمبادئ التي اعتاد عليها المجتمع الإنساني منذ تبنيه الديمقراطية كآلية لاختيار النخب والأفراد المؤهلين للقيادة في النظم السياسية والاقتصادية والنقابية، بعد أن حطم المرشحون الذين لا يملكون هذه المعايير والقواعد التي تتحكم في اختيارهم وانتخابهم، كما أصبح عليه واقع الانتخابات السياسية لرؤساء الدول والأحزاب والحكومات، ومن العدل أن نتساءل عن هذا الانقلاب في هذا الزمن الذي أصبح فيه الشعبيون يفوزون على خصومهم عبر هذه الآلية الديمقراطية .. فهل انتهت صلاحية الديمقراطية بعد أن أصبحت تسمح لهؤلاء بالفوز دون امتلاكهم لأبسط شروطها التي يمكن من خلالها الاقتراب من المؤهلات الضرورية لهؤلاء الفائزين على خصومهم عبر الآلية الديمقراطية الانتخابية ..؟
علينا الإذعان لنتائج تطبيقات الآلية الديمقراطية، التي تسمح للشعبويين بالفوز مادامو يحسنون الاستثمار في هذه الآلية الديمقراطية بوسائط تضحك على أنفسنا حينما نصفها بالفاسدة والموجهة بوسائل الضغط والإغراء المادي التي تمنعنا ضمائرنا التي استوطنتها المبادئ التربوية والأخلاقية والديمقراطية، فكل الزعامات الشعبوية السياسية والنقابية والدينية أصبحت لها حصانة جماهيرية جارفة، حتى وإن اعتقدنا أن هذه الجماهيرية صنعها الوزن المادي الذي يمتلكه هؤلاء بدون حق، ولنذهب نحن والقيم التي نؤمن بها إلى الجحيم، فهؤلاء يعرفون كيف يجعلون من شعبويتهم أداة ضغط ونفوذ في المجالات التي يفتقرون إلى مؤهلاتها .. ولنا المثل في رجل المال الأمريكي “دونلاد ترامن” الناجح في رئاسيات 2016، أمام الديمقراطية القانونية هيلاري كلينتو بالآلية الديمقراطية، بواسطة خطاب انتخابي شعبوي بسيط قلب الطاولة على رجال السياسة في أمريكا، سواء في حزبه الجمهوري أو من الحزب المنافس الديمقراطي والأغلبية المريحة من التجمع الانتخابي.
إنه زمن القيادات الشعبوية أيضا في عالمنا العربي والإسلامي، سواء في المجال الديني عبر هؤلاء الخطباء والأئمة الذين يقودون قدسيتنا المذهبية من الخليج إلى المحيط، وفي السياسة كزعماء أحزابنا المغربية، الذين يصولون ويجولون على القاصي والداني والعالم والجاهل بالسياسة وعلومها، ويتصدرون التجمعات الجماهيرية التي يحضرها من يفوقونهم معرفة وخبرة ونضالا، والذين أصبحوا ضمن أتباعهم وأنصارهم ومريديهم.
إن الشعبوية اليوم كظاهرة مثيرة للجدل والبحث أصبحت تستدعي من أولي المعرفة والاختصاص مراجعة كل تكوينهم العلمي، بعد أن أصبحت الكائنات الشعبوية متجاوزة لكل الحدود في وقاحة تصدرها للمشهد السياسي والثقافي والديني، ولا تخجل من فقرها المعرفي والعلمي في المجالات التي تعرض فيها قوتها الشعبوية .. لذلك، يمكن القول، أن الشعبوية أصبحت سلوكا مطلوبا لمن يرغبون في الارتقاء الاجتماعي السريع دون تأهيل يناسب هذه المواقع التي يقف فيها هؤلاء الشعبويين الآن، وهذا ما يتيح لنا القول بصريح العبارة: “أنه زمن الشعبوية بامتياز”، بعد أن انهارت جميع الحدود وأصبح كل شيء مستحيل يمكن بلوغه مقابل الثمن الذي يناسبه.