المغاربة والحكومة التي ينتظرون تشكيلها ..!
أحسن جلالة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء المظفرة، الذي وجهه من عاصمة السنغال دكار، حينما وقف على نوع الحكومة المغربية الجديدة التي ستحسن وتقوي حضور المغرب في محيطه الإفريقي، وستعيد له ثقله السياسي والاقتصادي والثقافي، بعد أن تقدم بطلب عودته إلى الاتحاد الإفريقي .. هذه الحكومة التي كلف رئيس الحكومة السابقة المنتهية ولايتها بتشكيلها بعد فوز حزبه بصدارة النتائج في استحقاق السابع اكتوبر 2016، والتي يتبين من مشاوراتها أن هناك توجه نحو اختزال مسألة تشكيلها في توزيع الحقائب حسب لغة الضغوط والابتزاز، وأن الجميع تجاهل أن هذه الحكومة يجب أن تكون ذات رؤيا واضحة وبرنامج كفيل بالاستجابة لانتظارات المغاربة، ولهذا التوجه نحو إفريقيا من جهة أخرى.
إن موقف جلالة الملك من قضية تشكيل الحكومة، يعكس نبض المغاربة الذين يترقبون حكومة تمتلك هذه المواصفات التي أشار إليها جلالة الملك، لأن المسار الديمقراطي في الوطن لم يعد يقبل بهذه الممارسات التي تفرغ هذا المسلسل التشاوري من كل عناصر مصداقيته .. فإن كان لا مفر من استمرار ما يحول دون انتخاب المشرعين الذين يتوفرون على المؤهلات وثقة الناخبين بعيدا عن كل السلوكات الفاسدة، فإن الحكومة التي ستقود الوطن في هذه الولاية الجديدة يجب أن يكون وجودها خطوة متقدمة لهذا المسار الديمقراطي للوطن .. مما يعني أن الأطراف الحزبية يجب أن لا تفسد العرس الديمقراطي بتشكيل حكومة متوافق عليها حسب الحصص كأنها غنيمة انتخابية، لأن هذه الحكومة ستكون لجميع المغاربة، ويجب أن يكون فيها من يستحق تمثيل المغاربة ويدير شأنهم العام بما يتوافق وتطلعاتهم، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، كما حدد جلالة الملك مواصفاتها.
إن الفترة الراهنة، لم يعد بالإمكان فيها استمرار الأخطاء والتكاليف المالية والسياسية التي لا يستفيد منها الوطن والمواطنون في شروط هذه المرحلة التاريخية التي تتطلب أن تكون الحكومة قادرة على مواجهة تحدياتها، سواء بالنسبة لتنمية الوطن، أو بالنسبة لمستجدات قضية الوحدة الترابية، أو بالنسبة لتحسين موقع وجود المغرب قاريا ودوليا من خلال من سيكونون فيها من الكفاءات الكفيلة بالرفع من مكانة العمل الحكومي في جميع المجالات، وهذا ما يجب على رئيس الحكومة المكلف أن يستحضره في مشاوراته مع الأحزاب السياسية، بدل أن تكون هذه المشاورات في الاتجاه الذي يسيء إلى تجربتنا الديمقراطية الفتية التي يعترف بنزاهتها وتطورها الأعداء قبل الأصدقاء، وجعلت الوطن من الدول المتقدمة في جنوب المتوسط والوطن العربي.
إن الوقفة الملكية الصريحة اتجاه الأجواء التي تجري فيها المشاورات بين المكلف بتشكيل الحكومة والأحزاب السياسية تؤكد على قوة المتابعة المواطنة لجلالة الملك للشأن السياسي الوطني، الذي تحاول أكثر من جهة توظيفه لصالحها وليس لصالح الوطن والمواطنين، وكأن هذه الحكومة مجرد غنيمة يجب أن تكون المشاورات حولها حسب الحصة الانتخابية ونوع الخدمات التي يجب أن يقوم بها المتحالفون مع رئيس الحزب الفائز بصدارة النتائج الانتخابية، الذي سمح لنفسه في حواره مع الوكالة الألمانية الإعلامية بالمزايدة في موضوع الحكومة واختصاصاتها، وما تتمتع به في نظامنا السياسي.
من المؤكد، أن صراحة جلالة الملك في حديثه عن الحكومة المقبلة يتحدث باسم جميع المغاربة الذين يترقبون إقلاعا حقيقيا في وظائف المؤسسات الدستورية لتلبية جميع المطالب المؤجلة في جميع المجالات، وهذا ما يجب أن يكون في سلوك القوى الحزبية، سواء في الأغلبية أو المعارضة اتجاه مسألة تشكيل الحكومة التي يجب أن تكون لها رؤيا واضحة وبرنامجا انتخابيا قابلا للتحقيق .. فهل تنتبه الأغلبية الجديدة والمعارضة إلى ما هو منتظر منهما اتجاه المغاربة ..؟
سنترقب نهاية المشاورات، وما ستسفر عنه حتى نتمكن من معرفة مدى تعامل الأطراف الحزبية مع مضمون الخطاب الملكي السامي في الذكرى 41 للمسيرة الخضراء، وما علينا إلا أن ننتظر الحسم والإفراج عن هذه المشاورات التي يعرف أصحابها ماذا يريدون منها، وجلهم من ذوي الخبرة والمعرفة بالمفاوضات داخل أحزابهم، التي وصلوا إلى قياداتها عن طريق هذه المعرفة بمنهجية التفاوض التي لا تراعى فيها المؤهلات والكفاءة والرصيد، وإنما النفوذ المالي والاجتماعي للمترشح للقيادة في الأحزاب التي لا تملك تجدرا جماهيريا قويا، وحتى الأحزاب ذات الوزن النضالي والتاريخي أصبحت تمارس نفس المنهجية .. ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن ابن كيران مطالب بالحزم وفرض الأمر الواقع الانتخابي على من يفاوضهم من أجل المشاركة .. ونظن أن قوة برنامجه الانتخابي هي السلاح الفعال في الضغط على من يحاولون فرض “البلوكاج” على تشكيل الحكومة في أقرب الآجال.