حتى لا يصادر الحق في الحياة ويتضرر السلم الاجتماعي في الوطن ..!
لا يزال طحن المواطن محسن فكري في شاحنة لجمع الأزبال في الحسيمة موضوعا للحوار والتعليق كقضية رأي عام، تستوجب مساءلة الأطراف المعنية بتطبيق القانون، وتكريس دولة الحق في الوطن .. ومع تناسل الروايات حول الحادث الناتج عن رفض مواطن الامتثال لقرار سلطوي بمصادرة أسماكه ليتم طحنه معها، دون احترام لحرمة حقه الإلهي والدستوري في الحياة، وفي مناخ وطني يرفض على جميع الأصعدة استمرار ما يفسد التطور الدستوري والمؤسساتي الذي بلغته بلادنا، وانتزعت احترام المحيط الجهوي والقاري والعالمي .. فهل كان من الضروري على صاحب القرار اللجوء إلى هذا الإجهاز المتعمد على حقوق الإنسان، وإلى مصادرة الحق في الحياة بهذه النزعة السادية الوحشية المتخلفة ..؟
إنه سؤال أجاب عنه المواطنون في الحسيمة وفي باقي المدن المغربية من خلال تظاهراتهم الرافضة لهذه السلوكات العدمية من الجهات الموكول لها تطبيق القانون وحماية وسلامة المواطنين الذي لا يكفي فيه إجراء التحقيق وتقديم الجناة للعدالة فقط، بل تعبئة جميع المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الشطط في استعمال القانون، وتهدئة المواطنين من الصدمة التي تسيء إلى الوطن، كما تناقلتها وسائل الإعلام على اختلافها، وفي مقدمة ذلك، ضرورة خروج الحكومة عن الصمت، والإعلان عن مواقف البرلمان والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في إطار التكريس الفعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور الجديد.
لا نريد أن يمر الحادث دون أن تتم إدانة وردع المسؤولين عن هذه السلوكات التي تضر حرمة مواقع أصحابها من المسؤولية في احترام وتطبيق القانون .. ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن الظرف ملائم لإلزام جميع السلطات باحترام قوانين الوطن، وعدم العبث بحقوق الإنسان اتجاه الفئات التي توجد في وضع الفقر والهشاشة والاقتصاد الاجتماعي التي لا زالت في البحث عن لقمة العيش تلجأ إلى أنشطة البطالة المقنعة، نتيجة غياب الحلول لمشاكل الفقر والبطالة التي تمس أكثر من 40 % ، من المواطنين القادرين على الانخراط في الإنتاج الاقتصادي الذين يمثلون الفئة النشيطة في المجتمع.
إن هذا الحادث المرعب والمؤلم الذي ذهب ضحيته مواطن مسؤول على ضمان العيش لأسرة من عشرة أفراد، يطرح السؤال عن دور المؤسسات المنتخبة في الجماعات والجهات في مراجعة وتطوير وتجويد القرار البلدي الذي يسمح بممارسة عملية التجارة الجائلة، التي أصبحت قطاعا ثالثا يستوعب المحرومين من حقهم الدستوري في العمل، سواء في المدن أو القرى، والذي يمكن أن يشكل موردا قارا لهذه الجماعات المعنية بحسن تطبيقه وإنشاء الفضاءات المؤقتة لممارسته، كما هو الحال في الدول التي سبقتنا إلى ذلك في أوربا وأمريكا وآسيا، أو كالنموذج المغربي الذي قامت به عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي بمدينة الدارالبيضاء.
لن نذكر المسؤولين على اختلاف مواقعهم بأن هذا الحادث يطرح أكثر من علامة استفهام حول تدبير المسؤولية العمومية، كما تطرق إليها جلالة الملك في خطاب افتتاح السنة التشريعية الجديدة مؤخرا في معرض حديثه عن الإدارة العمومية، وما يجب أن يكون عليه أداؤها اتجاه المواطنين في ظل التعبئة المجتمعية المستمرة من أجل تكريس المجتمع الديمقراطي الحداثي في الوطن .. فهل سيخرج البرلمان الجديد عن القاعدة ويسارع إلى القيام بواجباته في مساءلة ومحاسبة كل المتدخلين ..؟ وهل ستخرج حكومة تصريف الأعمال عن صمتها لتشرح للرأي العام الوطني كل الخلفيات التي تحكمت في هذه الجريمة النكراء ..؟