عن الترحيل المستمر لمشاكل نظامنا التعليمي البنيوية من سنة إلى أخرى ..!
لم يحدث الإقلاع المنتظر في الموسم الدراسي الجديد 2017/2016، سواء في الإجراءات التنظيمية التي تخص الخريطة المدرسية أو توفير الموارد البشرية أو البرامج والمقرارات والمناهج، باستثناء التدابير التي تضفي الجمالية على الاستعدادات والتحضيرات المعتادة في كل سنة دراسية جديدة، والتي برزت فيها الدعاية لأهداف ومحاور الخطة الإستراتيجية المستقبلية التي سترهن نظامنا التعليمي إلى حدود 2030، والتي ستظل مجرد أهداف نظرية في حاجة مستمرة إلى التفعيل والتطبيق لمحاورها عبر الحوار المؤسساتي والمجتمعي حولها.
حل إذن الموسم الدراسي الجديد بظواهره المرضية البنيوية المرحلة من سنة إلى أخرى، وبالشعار الذي يزين أبواب المؤسسات “جميعا من أجل مدرسة النجاح”، دون أن تتضح معالم التغيير والتحضير الملموس لهذا الموسم الدراسي الجديد في مقابل تفاقم الإكراهات والتحديات، كنقص الأطر والاكتظاظ في الأقسام والهدر المدرسي، وتغول التعليم الخاص، وتزايد المصاريف المدرسية، وعدم ملاءمة المنتوج التأهيلي والتكويني مع حاجيات سوق الشغل، وهذه المشاكل على اختلافها وتداعياتها جعلت الإنفاق المجتمعي على هذا القطاع الخدماتي دون الأهداف المنتظرة منه رغم أهمية دوره في التطور الاقتصادي والاجتماعي للوطن والحاجة إليه في التفكير والتخطيط للمستقبل في كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وفي تحقيق التنمية والحكامة الجيدة والارتقاء بالوطن بصفة عامة.
من يقف وراء هذا التردي المتواصل والذي وصل إلى حد الإفلاس في التعليم العمومي رغم كل الجهود المبذولة ومحاولات الإصلاح ومعالجة المشاكل والتناقضات المطروحة في كل مجالاته، وآخرها ما توصل إليه المجلس الأعلى للتعليم في الخلاصة التي دونها في المقاربة الإستراتيجية المستقبلية للنهوض به والتي سترهن نظامنا التعليمي إلى حدود سنة 2030، والتي أصبح من المفروض أن تكون أوراشا للبحث والدراسة والحوار بين كل الأطراف المعنية في أفق القطع مع مشاريع الإصلاح والتقويم التي لا تستقيم أو يتم تحريفها عن أهدافها .. ونعتقد في المستقلة بريس، أن واقع تعليمنا يتطلب مواجهة مجتمعية حقيقية لكل جوانب الخلل والتأخر التي يعاني منها في كل هياكله ونظمه وبرامجه ومقرراته ومناهجه، بعد أن فشلت جميع الأحزاب في تحقيق الحد الأدنى من الترجمة لبرنامجها الانتخابي في هذا القطاع، بما فيها التي تحكمت في قيادات هذه الحكومات وتهربت من تحمل مسؤولياتها في هذا المجال، مما راكم مظاهر الإسفاف والارتجال والنتائج السلبية من قبل الأحزاب التي أدارت هذا القطاع الاجتماعي الاقتصادي والتنموي، وآخرها حكومة عبد الإله بن كيران في نسختيها التي لم تكن وزارة التعليم من حقائب وزراء حزبه.
إن الأخطر في الموضوع، هو تجاهل ما نصت عليه كل برامج الإصلاح من ضرورة إنقاذ نظامنا التعليمي من السياسات الحكومية التي تنقصها الفعالية والإنتاجية والمصداقية في صياغتها وتطبيقاتها، وعدم ملاءمتها للمحاور والأهداف المسطرة في البرامج الإصلاحية، التي تم التوافق والإجماع حولها .. ونظن، أن مصير الإستراتيجية المستقبلية الجديدة قد يكون نفس مصير جميع برامج الإصلاح السابقة .. لذلك، يجب على المجلس الأعلى للتعليم انطلاقا من دوره الاقتراحي والاستشاري أن يواكب الخطوات الإصلاحية في هذا القطاع، وأن يسهر على توسيع وتعميق الحوار حول كل المحاور والأهداف المسطرة في الإستراتيجية المستقبلية مع الحكومة القادرة على ذلك.
ليس هناك من يعارض في العصرنة والتحديث والعقلنة للسياسات العمومية في هذا القطاع الذي أصبح يمثل القاطرة المجتمعية التي يتوقف عليها نجاح وتطور المجتمع وتنمية الوطن في جميع المجالات .. فهل سيكون هذا القطاع موضوعا لهذه المواجهة المجتمعية في أفق استعادة دوره في كل مراحله، سواء في السياسات التعليمية الحكومية أو في التدابير التنظيمية والإدارية والقانونية المرتبطة بتطبيقاتها في جميع المراحل التعليمية التي تأكد تبخر فعالياتها التنموية في الارتقاء بالأهداف التربوية والمعرفية والتأهيلية التي تقوم عليها العملية التعليمية بعد أن أضحت مجرد أداة آلية للتكوين الذي لا يساعد على نمو القدرات العقلية والمهارتية لرهانه على الحفظ والتلقين فقط، وعلى البرامج التعليمية التي لا تنشط على البحث والتفكير والاستدلال العقلاني والمنطقي والعلمي والنقدي. ..؟
من خلال هذه المقاربة، يتبين عمق الحاجة إلى الحوار حول ما يساعد على النهوض بنظامنا التعليمي والارتقاء به حتى يكون فاعلا في محيطه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، على غرار ما أصبح عليه من تطور في كل جوانبه البيداغوجية والمعرفية والمهنية في المجتمعات التي تراهن اليوم على أن يكون موجها لمجتمع المعرفة التقنية بكل توجهاتها وأدواتها، في أفق أن يتغير جذريا في مجالات التخطيط والبرامج والمقررات والمناهج، وفي شروط العملية التعليمية التي تستهدف النهوض بتلاميذنا وطلابنا نحو الأخذ بالمعرفة والتقنية والتشجيع على البحث العلمي والنقدي والفكري، التي تساهم في الارتقاء بالمجتمع وتحديث وعقلنة نمط عيشه، وتحصين منظومة ثقافته وانفتاحه الحضاري والإنساني، كما حاولت أن تقوم بهذا الدور حكومة عبد الرحمان اليوسفي.
إن الكرة اليوم في ملعب الجميع .. ونظن أن توجيهات جلالة الملك في أكثر من مناسبة، إذا ما تم تفعيلها توفر شروط التعبئة والاشتغال نحو ما يسرع عملية الإصلاح والتحديث والعقلنة لنظامنا التعليمي، وتقليص حجم المشاكل البنيوية التي لا تزال مستوطنة في السياسات الحكومية الخاصة بهذا القطاع الذي يستنزف حصة الأسد من الميزانية العامة .. فهل سيكون هذا الموسم الدراسي الجديد 2017/2016، مغايرا ومفتاحا ومدخلا لمنظور الإصلاح الذي يتحدث عنه الجميع حتى الآن ..؟