ما هذه الرؤيا الصحفية المرضية للواقع المصري يا توفيق بوعشرين ..؟!
من حقك يا مدير يومية أخبار اليوم، أن تختلف بالضرورة في صياغة الافتتاحية الصباحية حسب قناعتك الإيديولوجية، وأن تحلل موضوعها كما تشاء وفق الأولويات التي توجه منظورك الصحفي، وأن تختار حكم القيمة الذي يناسبك حول مضمونها تبعا لشرعية الاختلاف وحرية التعبير عنه، لكن أن لا يتجاوز هذا الحق الديمقراطي المقدس مساحة الرأي الذي يمكن أن يناقش، وأن يصبح في دائرة الرأي الغير مألوف وتجسيدا للهذيان المرضي، أو أن يكون مخدوما ومأجورا.
ماذا تقصد إذن يا توفيق بوعشرين بعنوان مقالك الافتتاحي “مصر ستنهار” في جريدتك ليوم 19 غشت الجاري ..؟ وأين يمكن لك أن تصنف مقاربتك ..؟ وهل يجوز لك بالنظر لما عبرت عنه في افتتاحيتك أن تتجاوز في تحليلك للواقع المصري تقييم هذا الواقع إلى إصدار أحكام القيمة والتنبؤ المستقبلي بما سيكون عليه هذا الواقع ..؟ وعلى أي مسلمات علمية واستشرافية تعتقد بأن مصر ستنهار لمجرد رفضك للنظام الحالي في مصر، وطعنك في شرعية حكم رئيسه الذي وصل بعد ثورة 30 يونيو، والانتخابات الرئاسية التي منحته الشرعية الدستورية ..؟
إنك بهذا الحكم الافتراضي تكون قد جسدت بالفعل مرض الهذيان الذي يسمح لصاحبه بالتحرر من الرقابة العقلية في التعبير عن رأيه، وإن كنت مع نظام الإخوان الذي سقط، فهذا الموقف لايتيح لك اعتبار النظام المصري الحالي فاقدا للشرعية الدستورية والديمقراطية، بناء على وجهة نظرك الشخصية التي لايشاركك فيها الآخرون المختلفون معك حتى النخاع، وهذا ما يقتضي منك أن لا تكون متسرعا في تقديم الخدمة الإعلامية الدعائية المفضوحة لخصوم النظام المصري الحالي.
من دون شك، السيد مدير يومية أخبار اليوم لم تغب عنك كرونولوجيا ثورة الشعب المصري في موجتها ل. 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013 ..؟ وتعي جيدا مسار هذه الثورة التي انتهت بسقوط نظام الإخوان وإجراء الانتخابات الرئاسية التي وصل بفضلها الرئيس الحالي، وتعرف طبيعة المشاريع التي التزم بتنفيذها، وما تتطلب من تكاليف، وتعلم حقيقة الخراب الاقتصادي الذي ورثه النظام الجديد، وما يجب القيام به لتجاوز هذا الإرث، وأن النظام الجديد عازم على تحقيق التنمية التي يتطلع إليها الشعب المصري .. فكيف سمحت لنفسك بالقول في عنوانك “مصر ستنهار”، في الوقت الذي يؤكد فيه صندوق النقد الدولي بأن مصر تمتلك مقومات ووسائل النهوض من خلال المخطط التنموي الذي يسهر النظام الحالي على تنفيذه ..؟
إن مشروعية التفكير المستقبلي بالنسبة للمتتبع والملاحظ لا يجب أن تذهب بعيدا في صياغة التصورات التي لا يقبل بها الواقع الذي تتحدث عنه، وحسبك من موقعك الصحفي أن تناقش الواقع المصري من خلال ما هو عليه في الشروط التي يوجد عليها، أما المغامرة بطرح تصورك المستقبلي عنه، فهذا يجسد مغامرة استشرافية يكذبها الواقع الذي تناقشه، ولا يصح لك في هذا الشأن أن تتدخل في معطيات واقع لا علاقة مباشرة لك مع معطياته وتحدياته ولا يتجاوز موقعك فيه مساحة الملاحظ والمهتم والمتابع الذي يفتقر إلى ما يعزز رؤاه المستقبلية التي تدعي النضج في استقراء الواقع والحكم على معطياته ونتائجه.
نحن في المستقلة بريس .. نلتمس لك العذر، فكم هي محاولاتك وخرجاتك التي تحاول فيها عرض خدماتك الإعلامية النقدية والدعائية حتى لا تفقد كل قنوات التواصل مع من يمكن أن يكونوا معك في أوقات الشدة، وهذا حقك الشخصي الذي لا ينازعك فيه أحد، لكن الخروج بمواقف مكشوفة في دعارتها يقلل من مصداقية دورك الإعلامي الذي يجب أن يظل بعيدا عن الشبهات والمواقف المأجورة .. ويكفي النظام الذي تعارضه في مصر أنه جنب مصر السقوط في حالة الفوضى التي تعيشها الأنظمة المجاورة.