منبر حر

الاستثناء المغربي بين تشجيع الإسفاف ومنع الاعتكاف ..!

يوسف الإدريسي

تابع SAFI SAFالرأي العام المغربي كيف تقدم دعاة الإسفاف بتسويغاتهم لإضفاء نوع من مساحيق الانفتاح الفني والثقافي من خلال مهرجان موازين، والتأكيد على أن للمهرجان جمهوره الواسع، بالمقابل حينما أقبل المواطنون المغاربة على بيوت الله لإقامة سنة الاعتكاف التي لها جمهورها الواسع أيضا، الذي يسعى إلى غذاء روحي ينسجم مع قدسية شهر رمضان الكريم، تجندت فيالق الدولة بكل أصنافها لطرد المعتكفين من المساجد بطريقة أقل ما يقال بشأنها إنها لم تحترم الدين والعرف والأخلاق.

ثمة مفارقة كبيرة في المقاربتين، ففي الوقت الذي عمد فيه مسؤولو الدولة إلى تشجيع الميوعة الأخلاقية وتكريس الابتذال الفني في صورة استنكرها المواطنون، سواء بلفظ جلي أو بغمز خفي، من خلال مهرجان الشؤم كما أضحى يسميه عدد كبير من المغاربة، في الوقت ذاته تعمّد أصحاب القرار الفعلي منع الاعتكافات الرمضانية بمختلف مساجد البلاد، مع انتهاج أسلوب قمعي في محاولة لإخراج المعتكفين من بيوت الله بالقوة والعنف المعهودين في تدخلات الأمن المغربي ضد المعطلين وذي المظالم الاجتماعية والسياسية، في خرق صريح للفصل الثالث من الدستور القاضي بأن الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.

إن الحقيقة التي أريد أن أقف عندها في هذا المقال هي أنه فعلا المغرب دولة الاستثناء .. استثناء في كل شيء؛ في الدولة وأجهزتها، في الأحزاب وتفريعاتها، في النخب وتقديراتها، في كل شيء حتى في الفئة المستضعفة التي يبدو أنها استساغت الوضع وأنست به.

إن مثل هذه المحطات التربوية تعتبر صمام أمان للمجتمع في ظل الفساد الأخلاقي والخواء الروحي والتهجير الطوعي لشباب المغرب نحو العراق والشام وما جاورهما، إن إقبال المغاربة على سنة نبيهم المصطفى عليه الصلاة والسلام ينبغي أن يقابل بالتشجيع والتحفيز والاستثمار المجتمعي، بدل أن يجابه بالمنع والترويع، لا أعتقد أنه من العقل والحكمة أن تُرصد أموال الشعب في تمويل المهرجانات الماجنة والسهرات الساقطة في حين يتم التضييق على المبادرات الروحية التي تلامس تاريخ الشعب وهويته وثقافته.

ومن نافلة القول، أن بعض المنظمات الحقوقية خرجت في وقفات احتجاجية تطالب بالحق في لباس التنورة القصيرة والحريات الفردية دفاعا عن حرية الاختيار واحتراما للنزعات والميولات الشخصية، في حين لم نحس منهم من أحد ولم نسمع لهم ركزا لما تعلق الأمر بحرية التدين واختيار التعبد لله، ليتأكد بالمسموع والمشهود أن التدافع الحقوقي بالمغرب يخضع بدوره لمنطق الحزبية الضيقة وسياسة المعايير المزدوجة و الكيل بمكيالين، حتى وإن سلمنا أن جماعة العدل والإحسان ذات التوجه التربوي تريد أن تستغل هذه المحطات لجني مكاسب سياسية، فما الذي يمنع وزارة الأوقاف السيادية من تنظيم الاعتكافات الرمضانية وتوفير الملاذ الروحي والترقي الإيماني لشباب المغرب المتعطش لدينه وعقيدته ..؟ أليس من غايات المؤسسات الدينية الرسمية أن تهيئ بيئة إيمانية تساعد الناس على الاستقامة والسلوك الإحساني، أم إن الدولة المغربية تستكثر على أبنائها ثواب ليلة خير من ألف شهر ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق