أحزاب الأغلبية والمعارضة والتراشق المسرحي المخدوم ..!
كيفما بحثنا في خلفيات التراشق والاتهام التي تمارسها أحزابنا في الأغلبية والمعارضة، فإننا سنجد أن جميعها تبحث لها عن الشرعية التي فقدتها خلال هذه الولاية البرلمانية والحكومية، بل أن جميعها ستُحمل المسؤولية في فشلها إلى خصومها، وأن الإرث الثقيل هو المسؤول عن ذلك، وأن حصيلتها كانت إيجابية، سواء كانت في الأغلبية أو في المعارضة، وأن جلها أنجز جل محاور برنامجه الانتخابي حتى وإن كان الواقع يكذب خطابها الدعائي.
إن ما يجمع الأغلبية والمعارضة في مشهدنا الوطني هو أنها فشلت في الاستجابة لانتظارات الشارع، وأنها لا تستطيع أن تدافع عن حصيلتها مهما حاولت استعمال أرقى المساحيق لتلميع حضورها طيلة هذه الولاية، وأن أغلبها دخل إلى هذه الولاية بدون برنامج انتخابي حزبي قابل للتنفيذ في المواقع التي احتلتها سواء في الأغلبية الحكومية أو في المعارضة.
سنكون سعداء إذا خرجت علينا أحزاب الأغلبية بما يمكن أن يبرئ ذمتها من المسؤولية في فشلها في تدبير الشأن العام بواسطة سياساتها العمومية التي كرست ضعف الإنتاج والجودة والفعالية والشفافية في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية، ويكفي أن جميع الحلول والمعالجات التي اقترحتها كانت دون الحد الأدنى المتوقع منها، مما جعلها موضوعا للاحتجاجات والاحتقان من قبل جميع المواطنين .. ناهيك عن التشرذم والصراع بين مكوناتها الحكومية، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، وعجزها على تلبية مطالب المغاربة المشروعة التي منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب التخفيف من ثقل المديونية التي سترهن مستقبل استقلال الوطن الاقتصادي، واتضاح كوارث النهج الاقتصادي الحر المملى عليها من المؤسسات الدولية المالية لتحسين شروط أداء أقساط الديون في أوقاتها، حيث لم تعد للمواطنين بعد إلغاء صندوق المقاصة وتطبيق قانون المقايسة القوة الشرائية لمواجهة لهيب الأسعار لتأمين الاستهلاك الطبيعي من المواد الاستهلاكية الأساسية، فبالأحرى توفير قفة المعيشة الملائمة لشهر رمضان، إلى جانب الارتفاع في أسعار الخدمات الأخرى التي لا يتوفرون أصلا على القدرة على مواجهتها، خصوصا ذوي الدخل المحدود والذين لا يتمتعون بأي حماية من الفقر -أما الذين لا دخل لهم فاللـه وحده يتولاهم- .. وحتى الطبقة الوسطى التي تآكلت أجورها والتي أصبحت من السواد الأعظم الذي يواجه ارتفاع تكلفة المعيشة التي لا تتناسب ودخله اليومي أو الشهري أو الموسمي.
إن التدبير الاقتصادي للأغلبية يتجه إلى تضخم فاتورة القروض الداخلية والخارجية التي سترهن الوطن لعقود أخرى، إلى جانب الضعف في التدبير القطاعي لكل الملفات التي عجزت الحكومات المتعاقبة على معالجتها في فترات حكمها .. البطالة وضعف الأجور وتقليص الفوارق الطبقية والرقي بالخدمات العمومية الأساسية في التعليم والصحة والسكن والثقافة والرياضة، وتفاقم النسب السلبية في النمو وتفاحش الأرقام المزعجة في توفير الحكامة الجيدة والإنتاجية المطلوبة في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية، إلى الدرجة التي أصبح رئيس الحكومة عاجزا على تجاهلها في خرجاته الحزبية والبرلمانية والعامة.
بالنسبة للمعارضة، فلم يكن حالها أفضل من الأغلبية، حيث لم تتمكن من ممارسة دورها الرقابي والتشريعي وتغيير ميزان القوى لصالحها رغم الدعم النقابي في إضراباته القطاعية والعامة، وفشلها في مداخلاتها في تعبئة الرأي العام الوطني بأطروحاتها المشروخة العاجزة على إبراز العجز الحكومي، ناهيك عن عدم استعمالها للوسائل القانونية البرلمانية المتاحة أمامها، سواء في الدورات العامة أو الاستثنائية أو في اجتماعات اللجن البرلمانية، ناهيك عن تضارب مواقفها وغياب التنسيق في المواجهة التي كانت الأغلبية تنتصر فيها بحكم تفوقها العددي الذي يسمح لها بتمرير مشاريع القرارات، وتحولت بفعل عدم التقارب الإيديولوجي إلى مجرد معارضة صوتية في غرفتي البرلمان وفي باقي مجالات التعبير عن مواقفها للحكومة وأغلبيتها، وقد تزايد ضعف ومحدودية دور المعارضة إلى أن أصبحت مجرد معارضة شكلية تفتقر إلى قوة المشروع المضاد الكفيل بوقف مهزلة تدبير الأغلبية وحكومتها لهذه الولاية التي تتجه التوقعات فيها إلى ما دون النسب الطبيعية المقبولة من أغلبية حصلت في الانتخابات التي أوصلتها إلى الحكومة على نتائج تفوق إمكانياتها الموضوعية.