الحكومة الاشتراكية الفرنسية والتنكر لحقوق العمال في قانون العمل الجديد ..!
يواجه اليسار الحاكم في فرنسا آثار إقرار أغلبيته لقانون العمل الذي تزايدت الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية ضده، ومن المحتمل استمرار تمسك الحكومة بقانونها في ظل اتساع مساحة الرفض الشعبي والعمالي إن لم يكن رئيس الحكومة “مانويل فالس” قد شرع في البحث عن سبل للخروج من الأزمة التي تواجهها حكومته في الظرف الراهن.
إن القانون المرفوض يكفل المزيد من الحقوق لأرباب العمل، ويتيح لهم التحكم في الشغل، ويحرم العمال من الاستمرار في العمل بالعقوق الطويلة، ناهيك أنه لا يعالج معضلة البطالة التي تجاوزت حاليا 10 %، مع ما يقتضي ذلك من حرمان العمال من التعويضات الممنوحة لهم حاليا، ويتوقع أن تمتد حركة الرفض والإضرابات إلى باقي القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وهذا يساهم مباشرة في تراجع شعبية اليسار في الانتخابات الرئاسية في السنة المقبلة، ولن تنجو منه شعبية الرئيس “هولاند” التي تراجعت إلى مستوى يمكن أن يعصف مما تبقى لليسار الاشتراكي من شعبية وإشعاع في المجتمع الفرنسي، وقد يمكن مرشح اليمين الجمهوري من قطف ثمار هذا الإخفاق في السياسة الاجتماعية للحكومة الاشتراكية الحالية.
إذن، إذا لم يسارع أقطاب اليسار الاشتراكي والشيوعي إلى تدارك الخطأ الملموس في قانون العمل فمن الحتمي أن تكون النتائج كارثية على هذا اليسار في الانتخابات الرئاسية في السنة المقبلة .. خصوصا، بعد تصاعد تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات البلدية الأخيرة، الذي سيمنح اليمين الجمهوري المزيد من الدرجات للحصول على ما يطمح إليه في الانتخابات القادمة.
من المؤكد أن اليسار الحاكم يعرف الثمن الذي سيدفعه في حال عدم التراجع وإيجاد الصيغة المقبولة من النقابات العمالية حاليا .. خصوصا، أنها تتعارض والمرجعية الاشتراكية التي تتضامن تلقائيا مع العمال في مضمونها الاجتماعي والعمالي والاقتصادي الذي لايمكن أن يكون منحازا لأرباب العمل، وهذا ما لم يراعيه منظرو اليسار في صياغة القانون المرفوض، إلا إذا كان التحريفيون الليبراليون قد نجحوا في اختراق المواقع المتقدمة في هذا اليسار، وأصبح لهم الثقل في التأثير على قراراته ومواقفه وتوجهه الأيديولوجي كما حدث لأحزاب اليسار التي حكمت في دول المعسكر الاشتراكي في أوربا الشرقية والغربية مؤخرا، مع ما أدت إليه من إفرازات مرضية خطيرة في سياسة الدول التي تحكموا فيها.
لن نكون أحن على مصالح اليسار في فرنسا أكثر من هذا اليسار نفسه، الذي يجب أن يصحح الأخطاء المسجلة في قانون العمل الذي رفضته النقابات قبل فوات الأوان، إلا إذا كان هذا اليسار يعرف أن زمن رحيله قد اقترب ولا حاجة إلى تصحيح الأخطاء ما دامت نتائج الانتخابات الرئاسية لن تكون في صالحه.