*الأستاذ حكيم 

إن المتأمل في التاريخ السياسي للمغرب ومسار بناء الدولة الحديثة، ابتداء من تاريخ تحرير أول دستور مغربي سنة 1908 بمدينة طنجة، بمشاركة كبار علماء القرويين وماخلفه من تجاذبات وتواطأت ومكائد حيكت حول السلطان المغربي، ومن إرهاصات اجتماعية مهدت لدخول الاستعمار الفرنسي الذي استغل تشرذم الإجماع حول الوحدة الوطنية، وبروز طبقة الخونة من يهود وبعض العائلات المقربة من القصر آنذاك استغل المستعمر الفرنسي تواجده بالجزائر محاولا التغلغل بإرسال جواسيسه وأعينه من باحثين ومستشرقين ومستغربين لإعداد تقارير حول الهندسة السيوسيولوجية للمجتمع المغربي ودراسة طبيعته الأنتربولوجية، وخصوصا الهندسة السياسية للسلطنة .. ولم يجد المستعمر لا الفرنسي ولا الإسباني سوى الحدود الشمالية لاستعمار المغرب وكانت معركتي تطوان ولالة مغنية محطتين بارزتين في تاريخ المغرب .. وبالتالى، تأسست في جل مناطق المغرب الخاضعة للسلطان أو حتى في مناطق السيبة حركات تحررية اختلفت أيديولوجياتها، لكن هدفها واحد كان هو الانعتاق من الاستعمار الفرنسي والإسباني.

وشهدت منطقة الريف بروز اسم عبد الكريم الخطابي له كاريزما مختلفة، لها رؤية وحنكة عسكرية الذي أقدم على تأسيس جماعة أصبحت فيما بعد عصابة فدائية وتحولت إلى حركة ثورية محاربة للاستعمار الإسباني والتي تعتبر أو ل حركة في العالم استعملت تكتيك حرب العصابات .. ويشهد التاريخ أن هذه الحركة ساهمت بشكل كبير في تحرر الشمال المغربي، امتدادا حتى الجزائر وتقديم وسائل الدعم لحركات المقاومة في الجنوب لكنها، ومع رحيل الزعيم عبد الكريم الخطابي إلى مصر وحصول المغرب على الاستقلال هاجر بعض صقورها إلى الخارج، بينما آخرون نهجوا محاولة العصيان المدني ودخلوا في مناوشات مع الراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله، رافضين الدخول والانضمام إلى العقد الاجتماعي الذي تم تحرير أولى أدبياته في 11 يناير بتوقيع وثيقة الاستقلال.

ولم يكتب للحركة التي أسسها عبد الكريم الخطابي أن تتحول إلى حركة سياسية إصلاحية تساهم فعليا في اللعبة السياسية رغم انضمام بعض المتأثرين بالفكر الخطابي إلى حزب الاستقلال، حزب الشورى والاستقلال أو إلى جيش التحرير الوطني، وقد ساهموا سواء من قريب أو من بعيد في الانقلابات العسكرية التي شهدها المغرب بالهجوم على الطائرة الملكية من مطار تطوان. وقد تزايد خطر هذه الحركة بتغلغلها الفكري في البنيات الاجتماعية لمنطقة الريف أو الشمال بصفة عامة، وذلك بنشرها لأفكار انفصالية تمس الوحدة الترابية، وذلك بإثارة النعرات العرقية والأيديولوجيات الإثنية والتى غالبا ما تنطلق مخططاتها من العاصمة الهولندية، وقد لانستغرب فيما إذا كانت لهذه الحركة علاقات غير مباشرة مع شبكات المخدرات بشمال المغرب أو بأمريكا اللاثينية والتى كانت تدعم الزعيم تشيكيفارا والحركات التحررية هناك، مما ساعدها على مراكمة ثروات وعقارات وأموال في الأبناك الإسبانية بسبتة ومليلية أو حتى في الأبناك الهولندية أو السويسرية .. وبالتالي، فسياسة إنتاج أعيان جدد في منطقة الريف لم تعط أكلها ولم تساهم فعلا في استتباب الأمن والولاء في منطقة الريف، حتى أن هذه الفئة أصبحت فئة فاسدة وأضحت خطرا على النظام نفسه بوجود امتدادات لها في تجارة المخدرات أو حتى حركة 20 فبراير، ورغم أن كثير من الأحزاب لم تستطع تشغيل آلية التأطير الحزبي الفعلي للفئات المستهدفة في المناطق الريفية أو الجبلية، نظر لانتشار الأمية في الساكنة، ولأن الفئة المتنورة من منطقة الريف أثرت الهجرة إلى الخارج بسبب المقاربات السابقة وسياسة نزع ملكية الأراضي التي نهجتها الدولة مؤخرًا، في هذه وما أنتج ذلك من سخط اجتماعي، بينما توزع آلاف الهكتارات من الأراضي على البرلمانيين بمقابل رمزي في مناطق أخرى .. وبعد مجيء السلطان الملك القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية أمير المؤمنين حامي الملة والدين محمد السادس نصره الله عرفت منطقة الريف تحولا جوهريا في معالجة تحديات على مستوى التنمية الاجتماعية والبشرية، و شملت بعطف السدة العلوية الشريفة بإطلاق مشاريع تنموية كبرى في هذه المناطق ومحاولة إدماج وإشراك الساكنة المحلية بتنمية مناطقها .. كما أن بروز حزب الأصالة والمعاصرة في هذه المناطق كحزب نشيط ينتمى بعض صقوره إلى هذه المناطق والتي أضحت لها أدوار تسيير دواليب هذه الجهة يجعلنا نتساءل كما يلي:
هل حزب الأصالة والمعاصرة هو الجناح السياسي لحركة عبد الكريم الخطابي ..؟ هل حزب الأصالة والمعاصرة هوحزب جماهيري أو حزب لإنتاج أعيان جدد ..؟ هل حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب الطبقة الوسطى ..؟ هل حزب الأصالة والمعاصرة حزب يحمل إيديولوجية الجمهورية الريفية ..؟ ماهو تأثير إمبراطورية المخدرات على نشاط حزب الأصالة والمعاصرة وعلى مصادر تموينه ..؟ هل مراهنة بعض الجهات على حصول حزب الأصالة والمعاصرة على الأغلبية البرلمانية يشكل ضامن للاستقرار الاجتماعي أو تهديدا للأمن الاجتماعي و السياسي، خصوصا في ً المناطق الريفية ..؟ هل احتواء حزب الأصالة والمعاصرة لمجموعة من المنابر الإعلامية، سواء كانت جرائد أو إذاعات أو حتى محطات تلفزية يشكل تهديدا للأمن الإعلامي والمعلوماتي ..؟ هل فوز حزب الأصالة والمعاصرة بالانتخابات المقبلة سيعزز مكانة المغرب من الناحية الجيواستراتيجية، أم سيدفع بالمغرب إلى فقدان ثقة الفاعلين الدوليين ..؟ هل لهذا الحزب امتدادات في حركة 20 فبراير أو حتى داعش ..؟ هذا يساهم من قريب أو بعيد الحزب في حركات الإضرابات التي شهدها المغرب مؤخرًا ..؟ وهل سيصطدم النظام مستقبلا بنفوذ هذا الحزب في الإدارات الحكومية ..؟ وهل هو حزب له من المقاييس السباسية مايؤهله للدفاع عن المؤسسات الدستورية وخدمة القضايا الوطنية العادلة ..؟ وهل صقوره فعلا كاريزمات سباسية لإقناع الشباب المغربي من أجل الانخراط في اللعبة السياسية ..؟ وهل هناك خريطة ميدانية لرصد مدى تواجد هذا الحزب في منطقة الريف وامتداداته خارج المغرب وعلاقته بالحركات الثورية في أوروبا وأفريقيا ..؟ وهل هذا الحزب يمثل خلايا نائمة مندسة في الدولة المغربية تخدم أجندات خارجية ضد السلطان العلوي الشريف ..؟ وهل حزب الأصالة والمعاصرة سيحي مرحلة شد الحبل مع النظام، كما سلف أن فعل أنصار حركة عبد الكريم الخطابي ..؟

*محلل سياسي