عبد المجيد بن شاوية
طبعا من سنن الحياة الفعل والعمل والاجتهاد في كسب الأرزاق، والنزوع نحو ضمان الاستمرارية والبقاء وتحقيق الذات الفاعلة، والبحث المتواصل عن تطوير الإمكانيات الذاتية والقدرات المعنوية بهدف العيش الكريم وتحسين الأوضاع بكل مستوياتها، وحصول الاكتفاء الذاتي، ولما لا البحث عن قنوات ضخ المزيد من السيولة الهامة لتغطية الحاجيات الضرورية والكمالية معا، وفي أحسن الأحوال ضمان دخل قار يفي بالمتطلب اليومي وما يزيد عليه من متطلبات ذات طبيعة موسمية أو مرحلية أو مستحدثة وفق متغيرات وطوارئ ذاتية أو اجتماعية ما ، إلى أن تم في الأدبيات النقابية والسياسية إقرار يوم يتم الاحتفال فيه بيوم الطبقة العاملة، وهو يوم فاتح ماي من كل سنة.
المغاربة كباقي شعوب العالم يحتفلون بفاتح هذا الشهر من كل سنة، ولا يدخرون جهدا في تهيئ الأجواء المناسبة للتظاهر بشوارع المدن الكبرى والمتوسطة والصغرى، بكل تلاوينهم النقابية والسياسية والفئوية والاجتماعية، مطلقين شعاراتهم المختلفة، سواء كانت تنديدية بالسياسات العمومية في مجال التشغيل أو الشاجبة لها أو المستنكرة لسياسات التقاعس وللبرامج غير الفعالة في تحقيق الكرامة الإنسانية للفرد المغربي وللطبقة العاملة الكادحة عموما، والمطالبة في الآن ذاته بالعدالة الاجتماعية وغيرها من المطالب التي لازالت عالقة لم تتحقق بعد على مدى عقود من الزمن، ولم تنفع معها كل محطات الاحتقانات الاجتماعية في تجاوز تصلب العقلية النظامية الرسمية الهادفة إلى إبقاء الأوضاع كما هي، مع نسبة قليلة من الجرعات الضامنة لآليات الاستغلال البشع والاستثمار في الطاقات البشرية والثروات الوطنية دون حسيب ولا رقيب.
ما يزكي هذا الطرح هو ما نراه بأم أعيننا كيف تدار الملفات بين الأجهزة النقابية والفاعلين الحكوميين والباطرونا المغربية، وما نلحظه هو التسويف وإهدار الطاقات المعنوية في عمليات إدارة النقاش والحوارات غير المجدية في نهاية كل الجولات واللقاءات، وبالتالي إطالة أمد الاستغلال والتحكم في مصائر الفقراء والكدح، وإعادة إنتاج سياسات التفقير والتجويع والذل وكل الآليات الحاطة من الكرامة الإنسانية، ومحاولات إعادة توزيع الثروات فيما بين مالكي وسائل الإنتاج وشكيمة اتخاذ القرارات الرسمية.
إذن، بماذا يحتفل المغاربة أصلا ..؟ هل يحتفلون بيوم يؤرخ لمحطات ثمينة كانت فيها مطالبهم قد تمت الاستجابة لها وأعطيت لهم في طبق من ذهب، أم أن احتفالهم بمثابة عقد جديد مع كل الفاعلين المعنيين لمواصلة الكفاح المتوازن بداخل وطن ينمي في الإنسان المغربي إحساسه بالاجتهاد والمضي قدما نحو تحقيق المزيد من التقدم والرقي الإنسانيين والحضاريين ..؟ أم أن هذا اليوم محطة لتفريغ المكبوتات المتراكمة عبر سنة بأكملها بمعاناتها الدفينة والبادية ..؟ أم أن هذا الاحتفال تجديد لعهد جديد من الفقر والكدح والاستغلال ..؟ وما يتم رفعه من شعارات ما هي إلا احتفالية بالاستيهامات والتخيلات في مخيلة الطبقة العاملة وكل المقهورين بالمغرب للعب دور البطل والسلطان العريس في عمليات افتضاض بكارة الممثلين الرئيسيين الرسميين والباطرونا معا ولو في شكله الرمزي على أساس حرية التعبير المكفولة بقوة رمزية اليوم المحتفل به ..؟
تبدو رحلة سيزيف طويلة وشاقة، ولم تنته فصولها الدرامية بالنسبة للطبقة العاملة وكل عموم الكدح والفقراء بمغربنا المعاصر، وما كل هذه “الفانتازيا” الاحتفالية لديها إلا نوعا من الخيال في مسيرة تحقيق المطالب العادلة في ظل نظام يكرس الفوارق الطبقية والفئوية ويقهر الطاقات ويبخس القدرات الإنسانية ويعامل بني البشر كعبيد وأفنان، أو حيوانات بإسطبلات تهجن فيها بميكانيزمات الجينية المتطورة وقولبة الإنسان المغربي على شاكلة ما يتراءى للفاعلين الأساسيين إيجاده من طينة مستلبة ومهجنة وغير حرة وغير عاقلة بما يكفي، مهيأة فقط لأدوار الخدمة والسخرة والقنانة وتزيين لوحات الخطابات الرسمية في علاقاتها بالخارج، سواء في مستوياتها الرسمية أو المنظمات المدنية .. وما خفي أعظم من هذا
وإلى حين فاتح ماي المقبل، وأنتم المغاربة على احتفالية سرمدية بالفقر والكدح و”فانتازيا” شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع