ذ. عبد الله عزوزي
كان اللقاء المفتوح الذي نظمته الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بمحلية جنان الورد بفاس، يوم أمس الجمعة 29 أبريل 2016، في إطار برنامجها التواصلي والتكويني المُسَطّر، والتي استضافت له النائب البرلماني بالغرفة الثانية، القيادي علي العسري، فرصة للإبحار بالمنخرطين في أعماق دواليب تدبير الشأن السياسي الوطني وفك الأغلال التي استطاع الإعلام المغرض ضربها على أعناق الكثير من المواطنين الذين، للأسف، لا يمنحهم تكوينهم المحدودُ القُدرةَ على التفكير النقدي وتفكيك خيوط اللعبة التي لا يريدها البعض فقط بأن توصف بالقذارة، بل أن تكون في الواقع قذرةً (dirty) و آسِنة.
المستشار علي العسري، قال في معرض حديثه عن موضوع الحوار الاجتماعي على بعد يومين من الاحتفالات الوطنية بعيد العمال الأممي، “إذا كانت ميزانية دولة قطر، التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون ونصف نسمة، تبلغ 450 مليار دولار، و ميزانية باريس وحدها 28 مليار أورو، فإن الميزانية الإجمالية للمغرب لا تتجاوز 285 مليار درهم سنويا، لساكنة تعدادها 35 مليون نسمة، و التي يذهب منها، على سبيل المثال ما قدره 43 مليار درهم كميزانية سنوية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، و 14 مليار لوزارة الصحة”؛ وأضاف المتحدث أن الحكومة تولت تدبير الشأن العام الوطني وسط إكراهات ظرفية اقتصادية عالمية وتراكمات لاختلالات في التدبير المحلي والوطني لسنوات ما بعد الاستقلال، وصلت أوجها ببلوغ رقم 70 مليار درهم كدين عمومي سنوي، منه سبعة مليار درهم عبارة عن فوائد القروض، وبنسبة 4،7 كمؤشر سنوي لتطور المديونية الوطنية، مع تنامي الهوة الطبقية بين الفقراء والأغنياء بشكل صارخ، واضطراب بارز في العدالة الاجتماعية والتنمية المجالية بين المدن والقرى المغربية.
لكن، و رغم كل الإكراهات الخارجية والداخلية استطاعت الحكومة، حسب المحاضر دائما، أن تضبط وثيرة ارتفاع المديونية من خلال تخفيضها إلى نسبة 1،7 على عكس ما تُرَوِّجُ له بعض المنابر المتخصصة في التبخيس وشن الحروب السياسية بالوكالة. فضلا عن هذا استطاعت جعل مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي الصِرْف واقعا ملموسا تتمتع به مجموعة من الشرائح الاجتماعية التي لا صوت نقابي لها، ولا منبراً إعلامياً يُعَرِّفُ بواقعها ومعاناتها، وعلى رأسها طبقة المتقاعدين، والأرامل، و الطلبة ، واليتامى، وذوي الأمراض المزمنة، والأشخاص في وضعية إعاقة…إلخ
فالمتأمل للإجراءات التي ظلت الحكومة تسنها اتباعا لفائدة الطبقات الهشة والضعيفة على طول ولايتها الانتدابية (2012-2016) يَستنتج أن الحكومة قد رفعت نبراس العدالة الاجتماعية وتتقفى طريقها على ضوئه، لدرجة لم تترك فيها للنقابات ما تقوله أو “تطلبه”، وإلى الحد الذي جعل بعض قادتها يهمسون في أذن السلطة التنفيذية بكلام يٌستَفاد منه ” لم تتركوا لنا ما نفعل .. لقد سحبتم من تحتنا البساط، و تريدون أن توقِعُونا أرضاً فتتكسر أنيابنا … نعم، نحن مع إجراءاتكم هذه .. لكن، لا تُنفِذوها رأسا .. دعونا نجعلها موضوع حوارنا الاجتماعي الثنائي، فنذيلها بتوقيعاتنا نحن كذلك .. فنكبر في أعين المواطنين، المُنَقَّبين منهم والغَيرُ المنقبين”.
النائب البرلماني قال بأن هذه مجرد البداية فقط، و أن ثمار عمل الإتلاف الحكومي و سياساته في الميدان التشريعي والاجتماعي و الصناعي والمالي، وفي مشاريع البنى التحتية، لا يمكن أن يصبح أكثر تجليا وتعميما إلا إذا أجمع المواطنون المغاربة قاطِبةً على تجديد الثقة في هذه الحكومة ومنحها الرأسمال الوقتي لمواصلة صنع مغربٍ حديثٍ ومُساهِمٍ في الأمن والسلم العالميين، بتعاون مع المؤسسة الملكية وبشراكة مع كل ذوي الضمائر الحية الذين يعتبرون مصلحة الوطن مصلحة مقدسةً ومقدمة عن باقي أنواع المصالح، وهو الأمر الذي سيضع حدا لشعار جبهة مناهضة تقدم و رقي البلد التي ركَّزت كل جهودها على تبخيس الإنجازات الحكومية وتسفيه رئيسها وأمين عام حزب العدالة والتنمية الذي يقودها، وذلك من أجل أن تكون هذه التجربة مجرد “فاصل إشهاري”، حسب قول علي العسري، للربيع المغربي والاختيار الشعبي في مسلسل تيار التحكم، ثَبَّتَت أركانه فرنسا قبل انسحابها من الوطن سنة 1956، وزادت في تكريسه ثقافة الانتخابات كما ظَلَّ يَعْرِفُها المتقدمون إليها ردحاً من الزمن. تيارٌ مستعدٌ أي مُنتميٍّ إليه بأن يذبح ابنه (إن طٌلِبَ منه ذلك)، أو أن يئد ابنته، في سبيل أن يصل إلى مراكز التحكم ويتحصن داخلها ضد المتابعة جراء الفساد الذي أعيث في سبيل للوصول إلى تلك القلاع .