حتى لا يظل المثقفون يتفرجون من بعيد ..!
ليس أمام المثقفين في كل أجناس الإبداع الثقافي والفني والحضاري إلا الانخراط في المعركة لإنقاذ ما تبقى من الهوية الحضارية للمجتمع الذي تحاول قطعان التطرف التكفيري والتخويني والطبقي شرعنة قيمها وقوانينها وعلاقاتها على حساب كل المكاسب والإصلاحات التي دفع ثمنها في العقود الأخيرة وليس أمام هؤلاء الذين يشكلون الطليعة المجتمعية إلا المساهمة في فضح هذه الرجعية الحضارية التي تحاول استئصال كل عناصر الأنسنة والتحرر والتطور التي مر منها المجتمع الإسلامي والعربي.
حينما نتحدث عن أولوية وتكريس دور حقيقي للمثقفين فهذا يعني مباشرة إلغاء وتجاوز المنظور التخويني والإرهابي اتجاه هذه الفئة المجتمعية التي لا مفر من الاشتغال معها وبواسطتها لإصلاح الأعطاب التي خلقتها هذه الفئة الصالة من قطعان التطرف والظلامية التي تبحث عن الشرعية من المجتمع وتعتقد أن كل الشروط المادية والقيمية والمجتمعية تفرض هذا التحول نحو المثقفين الذين يعانون اليوم من العزلة ومن كثرة الضغوط والتحديات التي تواجههم بين الطبقة الميسورة التي شوهت النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ومنحت الشرعية المجتمعية لتحرك التتار الجديد الذين يبحثون عن تأمين سيطرتهم ومصالحهم الطبقية فقط ولا تحركهم ثيم العيش المشترك التي شوهها الاشتغال الطبقي والقمعي الذي يمدد اليوم الطريق لهذه الهيمنة المضادة للتطور المجتمعي الديمقراطي والتحرري الذي يفتقر إليه المجتمع اليوم.
إن المثقفين ملزمين رغم كل المعاناة بالانخراط لمواجهة هذا المد الظلامي والعدمي الذي يتأسس في مجتمعنا العربي والإسلامي الذي مكنه الغرب الاستعماري من أدوات الشرعية والهيمنة على حساب كل التطلعات المشروعة لمجتمعنا في التحضر والتحرر والديمقراطية التي وصلها الغرب .. ونظن أن المثقفين بما يملكون من وعي تحرري طبيغي قادرون على ردم الفجوة وخلخلة البنى الإسمنتية التي سيشهدها اليوم أعداء الحرية والحياة والإبداع والعقل في مجتمعنا الإسلامي والعربي تحت أكثر من شعار مقاوم ومناضل وبأموال الدول المارقة في المنطقة التي تحارب بالوكالة كل المبادرات التحررية والثورية والديمقراطية والحداثية لحماية الهوية والمرجعية والكينونة الحضارية التاريخية التي عجزت خلاياها عن الانقسام والتطور.
إن مثقفينا على اختلاف مرجعياتهم الإيديولوجية والجهات التي تمول حضورهم الباهت والقزمي في الساحة الفكرية والفنية والسياسية والأعلامية يعرفون أنه لا خلاص لنا من فك الارتباط مع هؤلاء الذين اغتصبوا كبريائنا ومعارضتنا لمن اعتقدوا أنهم يملكون إرادتنا الحرة كما يملكون اليخوت والشاليهات في المدن السياحية العربية .. وليتأدوا هؤلاء أننا لم نبع كرامتنا مقابل تسويق النفط والعرض لتأمين إباحية من يتلذذون بدمائنا ولحوم نساء العرب والمسلمين في مراكز اللهو واختبار الفحولة المنتهية الصلاحية.
لا تشعروا يامثقفينا المحافظين على الالتزام بقضايا مجتمعكم المعروضة للبيع من قبل من ولوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب ويعرفون أنهم رموزا للفساد والاستبداد في منطقتنا العربية والإسلامية ولا يريدون التخلي عن امتيازاتهم الطبقية لصالح المقهورين في الحقول والمعامل والشوارع وأحياء البؤس والإقصاء في مدننا.
لستم يامثقفينا الملتزمين بالنضال الطبقي الديمقراطي والحضاري في إبداعاتكم ورؤاكم النقدية واجتماعاتكم المتواصلة وصدكم في المعركة المفتوحة من أجل إعادة البناء ووقف هذا المسار الاستعبادي والقهري الذي تقوده قطعان المرضى بجنةن القوة والثروة في نسيج مجتمعنا العربي والإسلامي، ولن تكونوا آخر أجيال الرفض التي تولد اليوم بالرغم من كل وسائل القمع والتدجين والتهميش التي تمارس علينا.
إنكم تقرعون طبول الحرب ضد من يتخيلون أنهم محميون من الغرب بأسلحته ومخدراته ونمطه الاستهلاكي الفاسد ومن دون شك ستردمون الفجوة وستعملون على إعادة الحياة إلى الخلايا الجسدية في المجتمع للقيام بوظائفها الطبيعية في التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي الذي يفتقر إليه المجتمع العربي والإسلامي اليوم والذي لا يقل قدرة وحماسا عن ما يعيشه المجتمع الغربي الذي كان حتى عهد قريب بين المدنية والتحرر الحضاري العربي والإسلامي في جميع المجالات.
بالفعل لابد للمثقفين من إحداث الحركة الثورية والوقفة الصلبة لمواجهة فلول الظلام والتكفير التي تحاول ترسيخ نفسها في مجتمعنا العربي والإسلامي بأي ثمن ومن المؤكد أن الثورة الثقافية الجادة ودعم مشاريع التحول الاقتصادي والاجتماعي هي التي يمكن أن تمنح مجتمعنا من إمكانية الانخراط الفعلي في التحول الحضاري المعرفي والاقتصادي المعاصر وهذا ما يحب أن يكون عليه توجه النخب الجديدة في مجتمعنا العربي والإسلامي إن أردنا أن نقطع الطريق على من يريدون نسف تاريخنا الحضاري بالوكالة غن الغرب الاستعماري الذي يتفرج على مأساتنا الحضارية المعاصرة التي لا مفر لنا من تجاوزها وتغيير مسار تحولنا المجتمعي جذريا إن كنا نريد أن نعيش إلى جانب من يمتلكون حضارة هذا العصر التقنية والمعرفية والاقتصادية المتطورة .. وبالتالي، فإن مثقفينا أصبحوا ملزمين بالحضور في هذه المعركة التجديدية والثورية التي لا مفر منها للانتقال الفعلي إلى تغيير شروط هذه الفترة التي ينتصب فيها أعداء الحرية والتقدم والسلم في مجتمعنا.