حزب العدالة والتنمية وضرورة الاعتراف بفشله في التدبير الحكومي (1)
قد يعتبر أنصار وصقور حزب العدالة والتنمية هذا المقال عن سوء تدبير الحزب للشأن الحكومي ضمن الحملة الإعلامية التشويشية والتضليلية التي لا يزال الحزب يتعرض لها من قبل خصومه، الذين لا يترددون في القيام بهذه الخدمة حتى وإن كان حزب العدالة والتنمية بريء مما يشار إليه في سيرته الحكومية التي نجح في إدارتها رغم كل الإكراهات التي واجهها مع امتداد عمر هذه الحكومة، وسيرى المحافظون في هذا الحزب أيضا أن أي تشويه لصورة الحزب يدخل في إطار موقف المناهضين لتوجهاته الإصلاحية والقرارات المؤلمة التي اتخذها حتى يتجنب الوطن ما كان منتظرا له من تدهور في جميع المجالات.
لن نختلف على شرعية الدفاع عن الحصيلة الحكومية من قبل أنصار وصقور حزب العدالة والتنمية، فهذا الدفاع سيكون لا محالة بدون أي جدوى إن كان يستهدف الدفاع المجاني عن الحصيلة الحكومية الباهتة بالجملة إن لم يكن ما يبرر السلوكات والقرارات والمبادرات والمواقف المعبر عنها خلال هذا الأداء الحكومي، ومن دون شك، فإن المتحكمين في البيت الحزبي للعدالة والتنمية سيحاولون قرع طبول الحرب واستخدام ما يوجد في لغة الاتهام والتخوين ضد خصومهم، وسيراهنون على السرعة القصوى في الإيقاع بمن يعارضون تدبيرهم، سواء في المعارضة أو خارجها، وسيلجؤون كالعادة إلى اتهام الدولة العميقة ودوائر التحكم لتبرئة أنفسهم من الانزلاقات والتجاوزات التي وقعوا فيها إن لم يسارعوا إلى اعتبار جميع الأخطاء من صنع اللوبيات المناهضة والمستفيدة من الوضعية التي يوجد عليها الوطن، وقد بدأت مؤشرات هذا الموقف تعبر عن نفسها قبل حلول زمن الحملة الانتخابية.
طبعا، لا أحد سيصادر حق الحزب الأغلبي في الدفاع عن نفسه، والتشبث بكل ما يمكن أن يساعد على غسل الوجه وإبراز البراءة في تحمل المسؤولية، والتمسك بها إن كانت تنقصه الشجاعة والموضوعية في مواجهة الواقع الذي تميز به الأداء الحكومي لحزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه مغرورا بأغلبيته العددية التي تساعده على تمرير جميع التشريعات والمشاريع، والتي لم تنفعه في إقناع حلفائه في الحكومة التي لم يشرف فيها هذا الحزب على الحقائب التي تتطلب منه امتلاك البدائل والمشاريع الكفيلة بتغيير نمط التدبير فيها، والمرتبطة أساسا بالقطاعات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي لم تنجح في تدبيرها حتى الحكومات التي تمتلك الخبرات والكفاءات والبرامج الانتخابية الملائمة لخطورة تحدياتها ومشاكلها.
إن حزب العدالة والتنمية، مطالب في إطار الواقع السياسي الوطني بالتواضع والصراحة في نشر غسيله السلبي، إن كان يؤمن بالعملية الديمقراطية، وما تقتضيه من نقد ونقد ذاتي للأخطاء المرتكبة خلال فترة تدبيره لهذه الحكومة، وإلا سيكون دفاعه في نهاية المطاف تهربا صريحا من مواجهة انتقادات واحتجاجات المواطنين التي خيمت على عمر هذه الحكومة، والتي لم تتمكن من الاستجابة لمطالبها، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية .. وللعدل، أن حزب العدالة والتنمية لم يتوفر على العقلاء في بيته الحزبي بعد رحيل المرحوم عبد اللـه باها الذي كان يشكل رجل الحوار والاتزان في الحزب، والأخطر أن قيادة الحزب لا زالت متجاهلة لأخطائها في تدبير جميع الملفات التي واجهتها، سواء في النسخة الأولى أو الثانية لهذه الحكومة.
لن نتسرع في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، في إصدار الأحكام الجاهزة على أداء حزب العدالة والتنمية، وسنعالج في هذه المقالات تدبيره الحكومي وأهم ما أقدم عليه لإدارة القضايا التي واجهته، ومدى مصداقية القرارات التي اتخذها حولها، ولماذا لم يتمكن من هضم طبيعة المرحلة التي تولى فيها الحكومة ..؟ ولماذا حرص على عدم التفاعل الإيجابي مع نبض المجتمع، الذي ينتظر التغيير الحقيقي في كل جوانب السياسة العمومية الحكومية التي أغرقونا في منظورهم المتفائل حولها، والذي وجد صعوبات كبيرة في تنزيله على أرض الواقع أثناء ممارسة المسؤولية الحكومية، إلى درجة التصادم مع الرافضين له في التجمعات التي عقدها في مختلف جهات المملكة، حتى أصبحت حرية رئيس الحكومة مهددة من قبل من يرونه غير مؤهل للاستمرار فيها، كما أكدت على ذلك عدة تجمعات انتخابية مؤخرا ..؟ ويكفيه أن تحركاته أصبحت خاضعة للحماية الأمنية حتى في المناطق التي كان يعتقد أنها تؤمن ببرنامج حزبه.
إن البديهي بالنسبة للحزب الأغلبي، أن يفتح الحوار مع مناضليه أولا، ومع عموم المواطنين حول تجربته في التدبير الحكومي، لا أن يبحث عن التزكية من قواعد الحزب للاستمرار .. ونطن أن قيادة حزب العدالة والتنمية تدرك ما ينتظرها من المواطنين اتجاه جميع القرارات اللاشعبية التي اتخذتها في كل القطاعات التي لم تعالج مشاكلها من قبل الحكومات السابقة، وما أكثر القضايا الحارقة التي اعتقد حزب العدالة والتنمية أنه يملك مفاتيح معالجتها فوجد نفسه عاجزا حتى عن الحوار مع الشرائح المعنية بها، وسيكون من الصعب إن كانت هناك مناظرات مفتوحة أن يتمكن قياديو وصقور هذا الحزب إقناع المواطنين بالمبررات التي جعلتهم عاجزين على اقتراح الحلول للمشاكل المطروحة، سواء في القطاعات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التدبيرية.
هذه هي ضريبة ممارسة الحكم، وهذا هو أبسط مضمون للمحاسبة التي أكد عليها دستور 2011، وعلى حزب العدالة والتنمية أن يقبل بها إن كان يؤمن بالديمقراطية ومتطلباتها، وفي مجتمع يراهن على محاربة الفساد والاستبداد من خلال السياسات العمومية القابلة للاتجار، وليس من خلال السياسات التسويقية التي لا طائل يرجى منها.