مجــادلة علمانيين (تــابـع)
الدكتور الصديق بزاوي
لا تقدم إلا ببتر تراثنا .
إن زبناء العلمانية لم يقتصروا على الدعوة إلى تبني هذه النظرية السياسية بطريقة ميكانيكية .. وإنما بلغ الاستهتار ببعضهم درجة لا يمكن للمسلم الغيور على عقيدته أن يتحمله .. إنهم يعتبرون آخر الديانات السماوية مجرد تراث .. وإذا كانت كل شعوب العالم تحتفظ بتراثها وتعتبره مكونا أساسيا لشخصيتها، فإن هؤلاء العلمانيين المهجنين يدعون إلى”بتره”، وقد عبر أحدهم عن هذا الموقف قائلا:
” لاأمل في حياة فكرية معاصرة إلا إذا بترنا التراث بترا وعشنا مع من يعيش عصرنا. “
“أسوأ ما أخشاه أن ننتصر على المستعمرين ونطردهم، وأن ننتصر على المستغلين ونخضعهم، ثم نعجز أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا ونعود إلى دعوة، عودوا إلى القدماء.”
لابد من الإشارة هنا إلى أن مصطلح ” التراث” الذي يدعو (المعصرن) إلى بتره مصطلح غير دقيق، وقد يشمل، بالنسبة لهذه المداخلة، الفكرالإسلامي وما يحتويه من معارف وقيم رفيعة وتجارب عملية شكلت ثمرة مجهودات جبارة تراكمت عبر أكثر من أربعة عشر قرنا، ومع الأسف فإن هذا الرصيد الضخم يقوم العلماني بتسويته مع مجرد أعراف وتقاليد وكل ما تخلفه الشعوب في مجالات الفن والمعرفة والعمران وغيره، ولعله يقصد بدعوته هذه ضرورة تخلي المسلمين عن الشريعة الإسلامية وهجرها وعدم اعتمادها في أي مجال مهما كان حجمه .. وأكيد أن هذه دعوة لا يقبل بها أي عقل سليم يؤمن باستحالة تجريد شعب من هويته وعقيدته، وما الحاضر والمستقبل إلا امتداد للماضي، ولا ماضي إلا بالتراث، وما يكون تراث المسلم إن لم يكن وليد عقيدته و شريعته الإسلامية ..؟
فالتعلم أيها ( المتعصرن) ،” أن الشجرة لا يمكن أن تمتد في الهواء إلا بمقدار ما تضرب جذورها في باطن الأرض، وأن الاندفاع في التبعية العمياء أخطر ما تبتلى به المجتمعات، وأنه لا يمكن أن نعيش بقيم غيرنا، وأن أحوال الأمة الإسلامية لا تصلح إلا بما صلح به أولها.
إنه لمن حسن حظ أمتنا الإسلامية أن مروجي هذه الأفكار الدخيلة على ثقافتنا وديننا الحق،لا يمثلون سوى أقلية معزولة عن المجتمع ومحيطه الثقافي، لأن الجمهور يدرك أن مثل هذه المواقف لا تستند إلى أبسط الحجج والبراهين. وليست سوى تبعات السياسة الاستعمارية التي يبغضها الجميع ويعتبرها مجرد ثمرة من ثمار الغزو الثقافي الغريب .. لكنه رغم هذه الحقيقة، ورغم الأقلية العددية لتيار العلمانيين المسلمين، ورغم هزالة تحليلاتهم وأسس النظرية التي يسوقونها في أوطانهم، فإنه يجب الحذر من أقلام هؤلاء وأبواقهم، خاصة أن من بينهم من ينتسب إلى الثقافة الإسلامية ويدعي أنه يقف موقف معاداة للغرب الامبريالي المتسلط على الشعوب، بل أنه يناضل في صفوف الجماهير لإرساء دولة الحق والقانون .. وبذلك يدس السم في العسل لتقديمه لذوي العقول البسيطة والثقافة الأحادية، كما أنه يجب على الأقلام الجادة أن تواجه هذا التضليل وتكشف عن أهدافه الخفية، وذلك بالكلمة القوية والتحليل العلمي، وتتأكد بأن “الحق يعلو ولا يعلا عليه.”
يـتـبـع