د. الصديق بزاوي
إنه لمن الغريب أن يقر، بل يفتخر، أحد الفاعلين في إحدى الحركات الأمازيغية بكون الأمازيغ فصلوا بين الدين والدولة، ويستنتج من ذلك أنهم “علمانيين “ويجب أن يظلوا كذلك. وقد عبر هذا الجمعوي عن هذا الموقف من خلال مقالة جاء فيها مايلي :
“أما موقفنا من الدين فهو الذي قادنا إلى الأطروحة العلمانية، حيث ظهر بأن الذي هو دين المجتمع وليس دين الدولة … اعتبرنا أن الأطروحة هي فصل الدين عن الدولة …
سآتيك من النقطة الثانية التي دفعت إلى الاقتناع بالأطروحة العلمنية. طبيعة الثقافة الأمازيغية متجذرة في التاريخ . وجدنا في الوثائق القديمة بأن هنا ك نوع من الوعي بذلك الفصل بين الدنيوي والديني عند أمازيغ.
وهذا الشيء موجود في كثير من الوثائق، بل أن من القدامى من كان يستنكره. ولو لم يكن هذا واقعا ما استنكروه. فقد كان هناك أناس يضعون قوانين عرفية يحتكمون إليها. ولكنها ليست قوانين د ينية . كما أن الكثير منها لم يستلهم الدين . بل هو من محض إبداع العقل :عقل الجماعة .”
إن القول بأن ” الأطروحة الأمازيغية هي فصل الدين عن الدولة ” لايستند إلى أبسط برهان . فدليل الأمازيغي المتعلمن، حسب زعمه، بكون ” أعراف الأمازيغ تفصل بين الدنيا والدين” مجرد كلام لايهم إلا صاحبه الذي لم يكلف نفسه عناء البحث عن أدلة تؤكد هذا الادعاء، ولا عناء وضعه في إطاره الزمني والمكاني. أما استشهاده بكون بعض العلماء كانوا يستنكرون هذا الواقع واستنتاجه كون”لولا وجود هذا الواقع لما وجد هذا الاستنكار” فأمر لا يرقى إلى مستوى الدليل العلمي .
إن الاحتكام للعرف أمر شاع ولازال، ليس عند الأمازيغ فقط، وإنما عند جميع القبائل والعصبيات، أمازيغية كانت أوعربية أو فارسية أوتركية أو غيرها من مكونات الأمة الإسلامية . وإن هذا الأمر شكل مسألة بديهية في زمن لم تترسخ فيه شريعة الإسلام . بل إن الإسلام نفسه أقرب عض الأعراف وأضفى عليها شرعيته . وأن الاحتكام لبعض هذه الاعراف في زمننا، هذا لا يدل على فصل الشريعة الإسلامية عن المجال الدنيوي بقدر ما يدل على ضعف الوعي وهشاشة التدين، إن لم نقل هشاشة الإيمان، كما يدل على تقصير المسلمين في الدعوة إلى تحكيم شرع الله، وخاصة منهم الفاعلون . والأمازيغي الذي نجادله من خلال هذه المقالة، واحدا منهم . ومن جهة أخرى، فإننا نذكر هذا الناطق باسم إحدى الحركات الأمازية، بأن العلمانية لاتختزل في عدم الالتزام ببعض قواعد الشريعة الإسلامية ، وإنما تشكل إيديولوجية ونظاما سياسيا متكاملا، مفاده” فصل الدين عن الدولة “. ولذلك، فليس من المنطق في شيء، إلصاق تهمة “العلمانية” بالأمازيغ لمجرد تطبيق افتراضي لبعض الأعراف الغير منضبطة للشريعة . وأي منطق يلزم الأحفاد بالتقيد بانحرافات الأجداد. وأي منطق يسمح بتعميم أخطاء البعض على كل الامازيغ ..؟
إننا نذكر مرة أخرى المتعلمن الأمازيغي بأن العلمانية نفسها لم تطرح في المجتمعات المسلمة إلا في أواخر القرن التاسع عشرمن طرف المستعمر الأوروبي . وما نخشاه نحن الأمازيغ على الخصوص، أن يتخذ البعض هذا التلازم بين أطروحة علمانية الأمازيغ ومؤامرات المستعمر، ذريعة مسعفة لاتهام الحركات الأمزيغية بالمتواطئ مع الحركات الاستعمارية الجديدة لتنفيذ أجنداتها التي تهدف إلى استنبات بذور الفتنة لإحداث شروخ في تجمعات المسلمين . خاصة أن “علمانية الأمازيغ ” المزعومة لم يتم طرحها إلا مؤخرا كما أقرب ذلك الفاعل الأمازيغي نفسه في مقالته التي جاء فيها مايلي :
“أما سنة فقد انطلق النقاش حول الاختيار العلماني للطرح الأمزيغي . فمفهوم العلمانية لم يستعمل
في وثائق الحركة الأمزيغية بوضوح إلا بعد البيان الأمازيغي. والسبب في ذلك هونقاش مع الإسلاميين دفع بالحركة الأمازيغية إلى أن تحسم في هذه القضية الأساسية، وهي موقفها من الدين. فلا يمكن أن يكون لنا خطاب ثقافي هوياتي دون أن يكون لنا من اللغة العربية ومن الدين الإسلامي والديانات الأخرى موقف واضح “.
يظهر جليا من المقال أعلاه، أن إقحام الأطروحة العلمانية في هوية الأمازيغ قد تم لمجرد رغبة ذاتية لجماعة محدودة من الأشخاص لايمثلون إلا أنفسهم . وذلك من أجل البحث عن هوية تميزها عن غيرها من العرب المسلمين حتى ولو كان ذلك على حساب مشاعر الأمازيغ الذين يعتزون بإسلاميتهم . وحاشا معاذ الله أن يرفض الأمازيغ شرع الله، وأن يقولوا كما قال كفا رقريش للرسول صلى الله عليه وسلم “وكذلك وجدنا آباءنا يفعلون