بين تطور نهب القطاع الخاص في التعليم لجيوب المواطنين وتواضع سياسة الإصلاح
ماذا تبقى للحكومة المغربية أن تطرحه لتبرير فشلها في النهوض بنظامنا التعليمي ومعالجة الاختلالات البنيوية التي يعاني منها ..؟ وما يقوم به القطاع الخاص من عمليات النهب المنتظم لجيوب المواطنين، الذي قد يصل في المستقبل إلى حرمان معظم أبناء الشعب المغربي من خدمات نظامنا التعليمي ..؟ إلى حين تدارك الأخطاء وانتشاله من إكراهات الأزمة التي يعاني منها يحق لنا مساءلة المجلس الأعلى للتعليم عن محصلة الوصفة العلاجية التي يعتزم تنفيذها تحت مسمى الإستراتيجية المستقبلية لإصلاح نظامنا التعليمي حتى 2030 ..؟ وما هي مبرراته لتحقيق أهداف هذه الإستراتيجية، في ظل المزيد من الخوصصة التي ستكون سببا في احتضار المجانية والمغربة والوحدة لنظامنا التعليمي العمومي في مقابل الأهداف الطبقية والرأسمالية الواضحة لقطاع التعليم الخصوصي التي تستهدف الفئات المحرومة فقط ..؟
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ندق ناقوس الخطر الذي يهدد قطاع التعليم الذي يعتبر قطاعا إستراتيجيا سياديا لا يمكن تحريره وفتح المجال للاستثمار الخاص للمشاركة فيه بهذه السياسة التحريرية التي ستضاعف من القهر الطبقي الذي يعاني منه السواد الأعظم الذي لم يعد يؤمن القوة الشرائية لضمان حاجياته الاستهلاكية الغذائية، فبالأحرى تأمين تعليم أبنائه في ظل هذه الخوصصة التي يجري إقرارها بالتدريج والتي تتعارض مع الحق الدستوري في التعليم، ومع الأهداف التنموية التي تتحدث الحكومات المتعاقبة عليها في برامجها الانتخابية.
هل لرئيس المجلس الأعلى للتعليم، ولرئيس الحكومة والوزيرين المختصين في التربية الوطنية والتعليم العالي ما يقدمونه للشعب المغربي وللنقابات التعليمية والمجتمع المدني وللأحزاب التي تؤطر الأغلبية والمعارضة في غرفتي البرلمان اتجاه هذا النهب الممنهج لجيوب المواطنين من أرباب مؤسسات القطاع الخاص في كل الأسلاك التعليمية ..؟ وإن كنا مع الاقتصاد الحر وحرية الرأسمال في جني الأرباح التي تتلاءم مع حجم إنتاجه وتسويقه وتمويله، فإن هذه الحرية الاقتصادية لا معنى لها في التعليم وفي الاستثمار في الإنسان الذي يجب أن يكون الرهان على الأرباح فيه مماثلا للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الأخرى والتي لا قيمة لتطورها إن لم توجه لخدمة وتنمية نمط عيش الإنسان.
نحن نمتلك في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة سعة الصدر في الحوار حول هذه القضية التي ترهن حاضر ومستقبل نظامنا التعليمي العمومي والخاص، ومستعدون للاستمرار في النقاش حوله في أفق إيجاد الحلول التي لن تكون على حساب الأهداف المنتظرة من هذا القطاع الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يجب أن تتخلى الدولة عن ممارسة سيادتها واستقلالها في إدارته، سواء للقطاع الخاص الداخلي أو الخارجي، وأن تظل مصدرا لتحديد السياسة العمومية في تدبيره على مستوى البرامج والمناهج والمقررات، وعلى الأهداف التي قام بها منذ استقلال المغرب والتي تتعلق بالمجانية والمغربة والوحدة التي يعود لها الفضل في ما يتوفر عليه الوطن اليوم من الموارد البشرية التي تدير جميع مرافقه الاقتصادية والسياسية والإدارية والثقافية، مع السماح بالخوصصة التي تغني وتعمق وتنمي نظامنا التعليمي الوطني في نهاية المطاف.