هل يدخل فِعْلُ “فَرْنَكَ” القاموس العربي من باب الجدل حول منظومة الريع داخل الحياة السياسية المغربية ..؟
*بقلم عبد الله عزوزي
دون الحاجة للرجوع إلى السياق الذي ظهرت فيه عبارة ” زوج فرنك” الذائعة الصيت، مادامت أصبحت من المعلوم في السياسة بالضرورة، فإنني هنا لأقف عند بعض جوانب التفكير عند المغاربة المرتبط أساسا بالوصف وإصدار أحكام القيمة من خلال جمل إسمية، في حين تغيب فيه الجمل الفعلية التي تدل على المبادرة والفعل. فمنذ تاريخ استضافة القناة الأولى لوزيرة الماء في برنامج “ضيف (ة) الأولى”، فإن عبارة “زوج فرنك” ظل مُحتَفظٌ بها في سياق جملة إسمية من مبتدأ و خَبرٍ. لكن، ما المانع من أن يُستَعمَل مصطلح فَرَنْكٍ على صيغة “فَعَلَ” فيصبح ” فَرْنَكَ”، “يُفَرْنِكُ”، “فرنَكَةً”، مادامت الحياة السياسية المغربية وكل ما يدور في فلكها، أو يبنى على عاتقها، يوفر بيئةً خصبةً لجملٍ وأمثلةٍ وسياقاتٍ يظهر فيها فِعل فَرْنَكَ بالأبيض والأسود، وبالألوان، وكذا بالعرض البطيء، لكي يدل على كيف يتم تبخيس قيمة المال العمومي أو تحويل المبادئ والقيم إلى مجرد سيولة نقدية وسبائك من الفضة، يجوع فيها قوم ويَتجشّأُ آخرون .
فأُوْلى تلك السياقات هو أن يقوم الفاعل السياسي المغربي، ومرشح القوم أو الحزب بِفَرْنَكةِ مواقفه السياسية و وعوده، ويخون حزبه وفصيلته؛ فيفضل مثلا أن يتسلم شيكا، أو هبة عينية، مقابل تشكيل الأغلبية أو تعزيز صف المعارضة. ففي انتخابات مجلس المستشارين الأخيرة، كاد أحد الأباطرة أن يُفَرْنِك إحدى الناخبات الكبار بجهة فاس- مكناس مقابل فيلا بقيمة ستمائة مليون، و نُقرُّ أننا عرفنا البداية ولم نعرف النهاية.
ثاني تلك السياقات هي أن تُغرِق جهاتٌ ما، عند مطلع كل فصل صيف، شوارعَ الرباط و فضاءاتها العمومية ب “فنانين” دوليين يَتِمُّ استقدامهم من أجل فَرْنَكة ميزانية الشعب المغربي، المتعطش للقرش الواحد و القرشين، حينها لا يجد المنظمون أدنى حرجٍ في القيام بفرنكة حسابات الأجانب بملايين الفرنكات مقابل ساعة من الرقص والموسيقى … في حين تعطى مواعيد بعشرات الشهور لمرضى على حافة الموت تحت ذريعة الازدحام الحاصل على أجندة جهاز الفحص بالليزر بمستشفى المدينة.
السياق الثالث الذي تمت فيه فَرَنْكَةُ ميزانياتٌ بملاييرِ الدراهيم، هو سياق إصلاح منظومة التربية و التكوين تحت مسمى “المخطط الاستعجالي” الذي لم تجِف قبة البرلمان بعد من البخار الذي كان يخرج من فم الوزير الذي كان يدافع عنه. واقع الهدر ومستوى الهشاشة بالمدرسة العمومية عليه إجماع وطنيٌّ ودوليٌّ، و لا أحد دلنا لحد الساعة عن أولائك الذين اعتبروا الأموال المرصودة للإصلاح مجرد “زوج فرنك”، فقاموا بِفَرَنْكَتِها لصالح حساباتهم الخاصة أو حسابات مقربين منهم موجودونَ على أيمانِهم و شمائلِهم.
نموذج آخر – ولن يكون الأخير – عن واقع الفرنكة هو قيام كل النقابات، دون استثناء، بِفَرنَكة مواقفها، فكانت النتيجة أن زهد القياديون في النضال فطُويَّت مسافاتهم وسطَع نَجمهم، في حين تشتت شمل القواعد وشلت حركاتهم … و فتح باب النضال الفئوي والشعبي والشعبوي على مصراعيه، بحثاً عن فرنكات تصون الكرامة وتداوي الجراح.
نعم لقد تمت فَرْنَكَةُ كلَّ شئٍ، بدءًا بالتقاعد والمعاش والنضال والسياسة والاقتصاد والإعلام، مرورا بالماء و الهواء و البحر و بَواطِن الأرضِ، وصولا إلى الوطنية ومصير الوطن. ووسط هذه الأجواء المادية والمُفَرْنَكة، لا بد من الاعتراف بالجميل لأهله. فإن كان من فضلٍ ما يعود لشرفات التطوانية، فإنه شرف إلهام المغاربة وتحسيسهم بالمقاربة الفَرنْكِية التي يرى بها الناس فَرنكاتِهم. فقد يموت السياق الذي ظهرت فيه عبارة “زوج فرنك”، أو يُنْسى، ؤلكن سيبقى فِعل ” فَرْنَكَ” على وزن “فَعَلَ” رهن إشارة اللغويين (linguists) لكي يستعملوه في السياقات التي يرون أنه يقف وراءها التبخيس والاسترخاص وأكل مال الشعب بملعقة الريع الذهبية.
*عضو الأمانة الإقليمية للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة – تاونات