مشهد وداع: حين تُسدل الستارة على عبد الحق مبشور
*سعيد ودغيري حسني
على إيقاع حزين وبمشاعر تختلط فيها الدموع بالحنين، غابت عدسة الحياة عن عبد الحق مبشور، الرجل الذي عرفته السينما المغربية كحاملٍ للضوء في أوقات العتمة، ومخرجٍ بارع لأحلام الجمهور وصراعاتهم على الشاشة كأنما نحن أمام مشهدٍ سينمائي أخير، حيث تتوقف الكاميرا عند لقطة وداعية تغرق في الظلال بينما تهمس الروح: “إلى اللقاء.”
المشهد الأول: البداية – ولادة الشغف
في أزقة الدار البيضاء، تلك المدينة التي لا تهدأ أنفاسها، وُلد عبد الحق مبشور محاطاً بصخبها المتنوع، فكان من الطبيعي أن تُزرع في قلبه بذور الحكاية
لقد كانت المدينة هي شاشته الأولى، ألوانها وإيقاعاتها جعلته يعي أن الحياة مليئة بالمشاهد التي تستحق التوثيق
عمله في القناة الثانية المغربية، كان البداية الحقيقية لكتابة نص سينمائي طويل من خلال موقعه كمسؤول في قسم الإنتاج أبدع في تحويل القصص إلى شاشات وظل يضيف لقطاته الخاصة إلى مكتبة الإعلام المغربي، متمسكاً بمبادئ الجودة والإبداع
المشهد الثاني: حلم المهرجان_ ولادة الأمل
السينما لم تكن مجرد مهنة لعبد الحق مبشور؛ كانت رسالة تأسيسه لمهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية، كان علامة فارقة في مسيرته، حيث حول فكرة المهرجانات من مجرد احتفالات إلى ورشات فكرية تشكل منصة حقيقية للجيل الجديد من السينمائيين المغاربة
على خشبة المهرجان، لم تكن الكاميرات هي الوحيدة التي تعمل، بل كان قلبه أيضاً ينبض لكل مخرج جديد لكل فكرة وُلدت في ذهن شاب أو شابة تبحث عن مساحةٍ للتعبير .. كان مبشور يؤمن بأن السينما ليست مجرد صورة وصوت، بل وسيلة لتغيير المجتمعات وإعادة صياغة الوعي
المشهد الثالث: النضال اليوم بين الفن والسياسة
لم يكن مبشور فقط رجلاً يكتب بالكاميرا، بل كان ناشطاً مجتمعياً وسياسياً يحمل قضايا الناس معه أينما حل، كعضو مجلس مقاطعة سيدي عثمان، كان يتحدث بلسان أبناء الحي، يدافع عن حقوقهم ويؤمن أن الفن والسياسة معاً يستطيعان صنع واقع أفضل
المشهد الرابع: الرحيل – النهاية التي لا تنتهي
تتوقف العدسة عند وجهه، تلك الابتسامة التي كانت تضيء مهرجاناته وتملأ قاعات السينما بالأمل في صباح بارد، غادرتنا روحه .. لكن، أعماله ومهرجاناته تظل شاهدة على مسيرة رجل عاش ليصنع حكايات لا تنتهي
في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، توافد الأهل والأصدقاء والفنانون ليشهدوا المشهد الأخير في فيلم عبد الحق مبشور، وبينما تُسدل الستارة على حياته تبقى كلماته وأفعاله حية كأنها شريط سينمائي يعاد عرضه مع كل ذكرى وكل إنجاز سينمائي مغربي
إلى عبد الحق مبشور:
“كنت المخرج الذي أضاء قلوبنا .. المنتج الذي جمعنا في قاعة حب واحدة، والصديق الذي علّمنا أن السينما هي مرآة للحياة .. رحلتَ لكن فيلمك مستمر.
ستبقى صورتك في كل مهرجان وكل شاشة تضيء بأمل جديد.”
هكذا يرحل الكبار .. لكنهم، لا يغيبون
* سيناريست ومسرحى