عبد اللـه عزوزي
يعيش سد الوحدة الواقع في الجهة الجنوبية الغربية لإقليم تاونات، والمطل على سهول إقليم سيدي قاسم، والذي ينعت بكونه أكبر سد في المغرب، وثاني أكبر سد في إفريقيا بعد السد العالي، و الذي يكون منظره في فصل الربيع أقرب إلى بحر هادئ، متواضع، لكنه مترامي الأطراف، يعيش حاليا أحلك لحظاته، إذ استطاع أباطرة “الزيت و الفيتور” أن يحولوا بشاشته كآبة، و زرقته سوادا، وعذوبة مائه سما و حنظلا.
إذ بحكم الطبيعة الفلاحية لإقليم تاونات، وازدهار نشاط زراعة أشجار الزيتون، تنتشر بالإقليم عشرات المعاصر العصرية والتي تستغل ضعف المراقبة وتواجد تلك المعاصر في أماكن معزولة يتحقق فيها التواجد في الموقع الأقرب إلى أكبر عدد من الدواوير والجماعات، فتقدم خلسة على إفراغ حمولة صهاريج المرجان في أودية وأنهار الإقليم، والتي ينتهي بها المطاف في قلب سد الوحدة، السد الذي دشنه الملك الراحل الحسن الثاني في ثمانينات القرن الماضي .
يحدث هذا وسط ركام عال من التناقضات .. التناقض الأول هو أن لا شيء يتغير وإن كان الإعلام الرسمي قد دأب على تقديم تقرير من دقيقتين كل سنة حول ظاهرة تلويث السد بمادة المرج، بعدما يكون الأمر قد استفحل وصعب معه استدراك حياة الأحياء المائية والبشرية .. ثانيا، يحدث هذا في أوج الحديث عن أهمية البيئة واحتدام الصراع حول الماء مستقبلا، وتعبئة المجتمع المدني حول الترويج للتنمية المستدامة التي تضمن حقوق الأجيال القادمة، والتعريف بمخاطر ندرة المياه واختفاء الأحياء المهددة بالانقراض (اختفاء سمك الشابل نموذجا من وديان الإقليم)، و تفاقم مخاطر الانحباس الحراري، والاضطرابات التي طالت الأنظمة الإيكولوجية، وعلى رأسها تأخر تساقطات الأمطار بمعدل يفوق الشهرين، إضافة للأمراض الناتجة عن رداءة ماء الشرب .. ثالثا، تحدث هذه الكارثة المأساوية وحكومة الربيع المغربي بها وزيرتين، تكلفان خزينة الدولة أزيد من أربعة عشر مليونا من أموال دافعي الضرائب في الشهر، واحدة وزيرة منتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، مكلفة بالبيئة، تسمى حكيمة الحيطي، والثانية منتدبة لدى نفس الوزارة، مكلفة بالماء، وتدعى شرفات أفيلال .. فلا استفاد السد من حكمة الحيطي، ولا من إشراف أفيلال .
خلاصة القول، أن سد الوحدة يموت بمائه وبما فيه، والمساهمون في قتله هم في واقع الأمر يريدون أن يزوروا مفهوم آية كريمة وحقيقة علمية تقول: “بأن الماء جوهر الوجود، و أن لا حياة بدون ماء” .. هم يكتبون علوما جديدة، ويرسمون جغرافيا غير مسبوقة على وجه الوطن، في العلم يقولون “وقتلنا كل السدود والأودية، والأسوأ قادم”، وفي الجغرافيا يحولون جمال الطبيعة الخلاب إلى مشاهد من “الزفت” و المرج.
فمن سيدفع الثمن إذن ..؟ ومن سيعيد الحياة للأسماك والدواب النافقة ..؟ وماذا بعد تدشين جلالة الملك لمشروع ربط دواوير جماعة الوردزاغ بشبكة الماء الصالح للشرب، انطلاقا من نفس السد ..؟ ومن القادر إذن على وضع حد لهذا المسلسل الإجرامي الذي يهدد حياة الأجيال الحالية و الأجيال القادمة ..؟