وحدها الفلاحة يمكن أن تنهض بالاقتصاد الوطني
إن اهتمامنا وتركيزنا على ضرورة التحدي في الاقتصاد الفلاحي تفرضه حاجة الوطن إلى الاكتفاء الذاتي في حاجياته الفلاحية، التي أصبحت وارداتها تتزايد سنة بعد أخرى، ثم الهدر المتواصل للمواد الفلاحية التي يمتلكها الوطن، والتي يجب تعبئتها للنهوض باقتصاد الوطن في الأنشطة التي يمكن أن تجعل المغرب بلدا فلاحيا غنيا ومصدرا للكثير من المنتوجات الزراعية التي تتلاءم زراعتها مع طبيعة المناخ والتربة التي يتوفر عليها، ناهيك عن أن جعل الأولوية للأنشطة الفلاحية يمكن أن تكون أكبر مشغل ومستوعب للعاطلين الذين يتزايدون، وفي صفوف الذي يتوفرون على المؤهلات المهنية التي يمكن أن توظف في الاقتصاد الفلاحي.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نراهن على تدخل الدولة في تشجيع الاستثمار وتحفيزه في الأنشطة الفلاحية على امتداد تجارب الحكومات التكنوقراطية أو السياسية، فقد كان من الممكن أن لا يعرف اقتصاد الوطن هذه الأزمة البنيوية التي يعاني منها، والتي لم تنفع في تجاوزها جميع السياسات الاقتصادية البديلة الهادفة إلى توزيع مصادر الثروة في القطاعات الاقتصادية الجديدة كالسياسة والصناعة التحويلية والتصدير المعدني والعمران، حيث لم تتمكن جميعها من إصلاح أعطاب الاقتصاد بقدر ما ضاعفت من معوقاته في مجالات التمويل والإنتاج والتشغيل في الوقت الذي كان بإمكان الفلاحة التي تتوفر على مؤهلاتها الطبيعية والبشرية أن تحل الإشكال المطروح على السياسة الاقتصادية الحكومية، التي لم تتحرر من الارتجال في توجهاتها وأولوياتها حتى الآن.
صحيح، أن ضغوط وشروط المؤسسات المالية الدولية في بداية الثمانينات، منعت الحكومات التي أدارت الشأن العام ابتداء من هذه الفترة التي وجدت نفسها مجبرة على الإذعان والالتزام بوصفات هذه المؤسسات الدولية من أجل التحرر من ضغوط المديونية الخارجية التي منعتها من الإقدام على تخطيط مشاريع التنمية التي تحرر الوطن من النتائج التفقيرية والتقشفية التي فرضت عليها، والتي تضرر من خلالها اقتصاد البلاد الذي أصبح ملزما بتقليل الإنفاق الاجتماعي، وتحرير الاقتصاد، والتخلي عن المشاريع التنموية الاقتصادية التي تقلل من تداعيات هذه الشروط، وتسمح بتحقيق استقلال القرار الاقتصادي الوطني.
ما يحفزنا اليوم في نموذج اقتصادنا المغربي على المطالبة بتوجيه الاستثمار في القطاع الفلاحي هو ما نعتقده صوابا، بناء على خلاصات الفاعلين الاقتصاديين واجتهادات الخبراء في الاقتصاد على الصعيد العالمي، ونظن أن ما عبر عنه مدير المكتب الشريف للفوسفاط في المغرب مؤخرا، من أن القارة الإفريقية يمكن أن تؤمن أكثر من 60 % من الغذاء للعالم إذا ما اتجهت السياسة الاقتصادية في دول هذه القارة نحو الاقتصاد الفلاحي الذي تمتلك كل مؤهلاته وعوامل نجاحه، ومن هذه الدول المغرب، الذي يمكنه أن يصبح قطبا في المجال الفلاحي بالنظر لما يتوفر عليه من مؤهلات طبيعية وسكانية ومناخية جيدة في هذا القطاع يستطيع بها القضاء على كل مشاكله الاقتصادية الاجتماعية التي واجهها على امتداد الحكومات المتعاقبة حتى الآن.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، على يقين بالتنمية الاقتصادية التي تتبنى السياسة الواقعية في التدبير الاقتصادي من خلال الرهان على الموارد والمؤهلات الذاتية، وهذا ما يوفره القطاع الفلاحي إذا ما وجد الفاعل الحكومي الواعي بإمكانياته والمستقل في قراراته الاقتصادية، حيث يملك الوطن ما يساعده على تحقيق الاكتفاء الذاتي في حاجاته الغذائية، وما يساعده على تصدير الفائض في بعض المنتوجات الفلاحية، وما يمكنه كذلك من مواجهة معضلة البطالة المرتفعة وسط الفئة الشابة من سكانه، ومن المؤكد، أن توجها في هذا المسار سيوفر على الوطن عدم الاستمرار في اختبار السياسات الاقتصادية التي لا تراعي واقعه، ولا تعرف عناصر قوته الحقيقية التي يمكن أن تسمح له بالنجاح وفي أقرب الآجال.
بكل تأكيد، إننا في اختيارنا الراهن للاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق لم يعد اهتمامنا الأساسي بالفلاحة، ولكن جميع الأنشطة المدرة للعملة الصعبة في جميع القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدماتية، لكن هل وضعنا هذا الاقتصاد الحر تحت مجهر الاختبار وقمنا بتقييمه من خلال ما يواجهه من إكراهات وتحديات وعوائق، تحول دون أن يكون كما هو عليه في الدول التي نجحت فيه ..؟ وهل نحن مضطرون إليه في واقعنا الذي يمتلك من المؤهلات التي توفر للدولة والمجتمع سبل التطور السريع وتحقيق الأهداف الاقتصادية، كما هي متاحة في اقتصادنا الفلاحي بالرغم من كل العقبات التي تحول دون نهضته ..؟