حول فاتورة الانتخابات والحصاد السياسي والدولة العميقة
على عكس ما ذهب إليه توفيق بوعشرين في افتتاحية جريدته “أخبار اليوم” التي عنونها ب. “إنه وقت دفع الفاتورة” ليست نتائج استحقاق 04 شتنبر 2015، الكفيلة بإجبار أبطالها الفاشلين في هذا الاستحقاق بدفع الفاتورة، فما أسفرت عنه العملية الانتخابية لا يجسد ما يمكن المتابع والمحلل من الوقوف على حقيقة الفشل الذي مني به حزب الاستقلال بقيادة شباط وحزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة لشكر، فكلا الحزبين تعرضا للتصويت العقابي في المدن، نتيجة القصور في التواصل مع الناخبين والمواطنين، وانعدام برامج التعبئة الحزبية والسياسية والجماهيرية الموالية لمواقفها المعارضة في المجالس وغرفتي البرلمان وعبر الإعلام الحزبي، وحتى استئناس صاحب الافتتاحية بما كتبه عبد الحميد جماهري اتجاه فشل اليسار لا يمنحه الشرعية في الحديث عن البعد الأخلاقي في الاعتراف بالفشل الانتخابي .. فهذا الأخير يعبر عن تقييمه لقرار القيادة الحزبية الاتحادية التي يشارك فيها، فهل كان يفتقر لهذه القدرة على طرح المسألة الأخلاقية في الممارسة السياسية داخل البيت الاتحادي ليتحدث عنها خارجه لتبرئة الذمة ونقل المسؤولية إلى قائد الحزب، أم عاقته إكراهات في القيام بذلك، ولم يتمكن من مواجهتها شخصيا ..؟ فهذا المتحدث الذي توظف قناعته في الكارثة الانتخابية التي أصابت الاتحاد لا يمكنه أن يتهرب من المسؤولية عنها، وبنفس الاستنتاج يبدو ربطك لفشل حزب الاستقلال بالانقلاب الشباطي على الهرم العائلي الفاسي في غير موضوعه، فاندفاع الأمين العام الجديد لم يكن من فراغ، فالمجلس الوطني للحزب واللجنة التنفيذية مشاركة في الخسارة الاستقلالية بما في ذلك التمرد على رئيس الحكومة والخروج من حكومته، ويظهر أن التخريجة التي توصلت إليها في الدولة العميقة لم تكن موفقا فيها لأنها لم ترغم الناخبين أبدا على التصويت على حزب الأصالة والمعاصرة كما نعتقد، ومن دون شك، أنك تحاول الإيحاء بتدخل الدولة العميقة في العملية الانتخابية، لذلك حاولت التخلص من ذلك بالقول أن حزب “البام” هو حزب الدولة العميقة، وأن الآخرين مجرد “كمبارس” في الفيلم إياه (واللي ماعجبوش الحال يشرب لبحر) .. وهو نفس الإيحاء الذي تحاول من خلاله البحث في فشل لشكر الانتخابي بالخطأ الأصلي في عدم التحالف مع بن كيران في التشكيلة الحكومية الأولى قبل الخروج الاستقلالي منها، بخصوص اللعب على مواقف الاتحاد الاشتراكي في قضايا الإرث وتعدد الزوجات فلن تخرج عن تحليلاتك المعتادة في تعويم القضايا وإيجاد المبررات للخلاصات التي تريد تحريرها في اقتتاحياتك، أما إشهارك لشعار حزب بن كيران الانتخابي الذي وصفته بالسحري والذي تعاطفت معه جموع من وضعوا الثقة في مرشحي حزب العدالة والتنمية .. “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد” فهذا إنجاز حزبي يحسب لابن كيران مرحليا، إلا أنه يحتاج إلى تشريح في بنيته اللغوية لتوضيح طبيعة مضمونه الملغوم الإشهاري والنفعي بامتياز، وستنكشف طلاسمه مستقبلا، سواء كانت انتخابية أو مرجعية، وموقفك كمتابع إعلامي يقتضي تفكيك بنية هذا الشعار وشرح مضمونه الحقيقي، كما لخصه القيادي في حزب بن كيران حامي الدين للوثيقة السياسية لحزبه التي سمحت له بالاشتغال على الشأن العام بدل الشأن الديني.
لن نختلف معك الزميل توفيق في مسألة دفع الفاتورة بالنسبة لقيادتي الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال في أفق احتواء الأسباب والاستفادة من النتائج لإعادة الحزبين إلى المواقع الريادية، ورفع مساحة الاحتقان الجماهير الذي تراجع بالنسبة للحزبين، وليس في هذه الانتخابات الجماعية والجهوية فقط، بل في عدة محطات انتخابية سابقة.
في نهاية هذه الملاحظة، نهمس في أذنيك مرة أخرى، بضرورة الانتهاء من هذه التأويلات والسيناريوهات، التي تتخيلها نحو أحداث وقضايا مثل هذه النماذج من القراءات الأقرب في مضامينها إلى ما يقدمه المحترفون في النصب على السذج في الشعوذة وقراءة الكف والأبراج في نموذجها المتخلف الذي تجاوزه الزمن.