الانتلجنسيا المغربية والحاجة إلى الاعتراف بدورها الوطني والتنويري ..!
يسوق الكثيرون إلى أن الانتلجنسيا المغربية المواطنة انحرفت عن الأهداف التي ولدت من أجلها، وأن مظاهر الزيغ والجنوح والتمرد والعبثية في مواقفها ووجهات نظرها أصبحت واضحة للعيان .. وبالتالي، أن انتكاسة الوعي الجمعي في الاختيار الانتخابي تعود حصة الأسد فيها إلى هذه الانتلجنسيا المغربية التي ساهم غياب توجهها في سوء اختيار النخبة القادرة على إدارة الشأن الجماعي والجهوي التي لم تكن في صالح القوى الحزبية والنقابية التقليدية التي تخلى عنها الناخبون نتيجة غياب المرشد الانتخابي المتمثل في الانتلجنسيا الواعية بهذا الواقع وتوجهاته.
إنه من السهولة بمكان ممارسة النقد المعرفي والإيديولوجي والسياسي اتجاه حالة التشرذم والبلقنة التي يوجد عليها المشهد الحزبي الوطني في ثنائية الأغلبية التي توحدت فيها المتناقضات والمعارضة التي تصارعت القيادات الشعبوية على من يعلق الراية البيضاء قبل الآخر عوض العمل في جهة موحدة إستراتيجية حملتها الانتخابية بالرغم من اختلاف الأهداف والمصالح الانتخابية، حيث لوحظ الحياد المطلق للسلطة في توجيه العملية الانتخابية أو التأثير في أطوارها بشهادات المراقبين في الداخل والخارج، ومن العدل أن تواجه الانتلجنسيا نفسها وتعترف بخطتها في عدم دعم الفاعلين المؤمنين بالديمقراطية والحرية والحداثة والعدالة، حيث لم نلاحظ الحضور في المهرجانات والتجمعات لهذه الطاقات المبدعة ولو لإبراز القيمة الدستورية والتحررية للعملية الانتخابية.
طبعا، الصراع في الاستحقاق الانتخابي كان ديمقراطيا بين الأطراف المتنافسة التي فشلت بتيارها اليميني واليساري في لعب الدور التعبوي الحقيقي للمواطنين في المشاركة في العملية الانتخابية، ويحق لنا في جريدة “المستقلة بريس” القول أن اليسار دخل المعركة الانتخابية بفهم ناقص ومغلوط عن مفهوم الانتلجنسيا الذي ينحصر مضمونه في الممارسة الثقافية بكل مجالات تخصصها الإبداعي والنقدي والتحليلي وبين الانتلجنسيا في العمل الحزبي والنقابي والمدني بمنظورها الذي ينحصر في إنتاجها الموجه للتأطير والتنظير والنضال في هذه المجالات المرتبطة بمواقف الأحزاب والنقابات والجمعيات التي تنشط فيها .. ونعتقد الأخ * “مصطفى غلمان” أنك لم تشر إلى أي نموذج من هذه*” الانتلجنسيا، فإن كنت تعني به المنظرين في العمل الحزبي والنقابي، فهؤلاء لا يمتلكون موقعا قانونيا في هذه التنظيمات يسمح لهم بالاشتغال على هذه المجالات ولا يتوفرون على الاستقلال في الأجهزة القيادية في هذه الهيئات الحزبية والنقابية والمدنية ويشعرون دائما بالاقتراب في هذه المنظمات التي تخشى ما يقومون به في التجمعات وتمنعهم من فرض الدفاع عن اجتهاداتهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم، وغالبا ما يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على التراجع إلى الوراء خلف الأجهزة التي تكون في غالب الأحيان أقل منهم على مستوى المؤهلات النظرية والنضالية والمعرفية، وهذا ما يفسر عجز الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني على المشاركة الواعية في العمليات الانتخابية، حيث لا يعرفون عادة متطلبات المعركة الانتخابية التي لا يفتح الحوار حولها مع المواطنين قبل انطلاقها للتعريف بمحصلة المشاركة في التجربة السابقة وما ينبغي أن يكون عليه العمل المؤسساتي في هذه المعركة الجديدة التي يتطلع فيها إلى استعادة إشعاعه الجماهيري والنضالي الذي تبخر في ظل التراجعات والإخفاقات التي يعاني منها اليوم.
إننا في المستقلة بريس لا نتصيد الرؤيا السلبية للقول أن اليسار الديمقراطي لم ينجز شيئا بالنسبة للوطن .. فأطراف اليسار الفاعلة في شخص الاتحاد الاشتراكي الذي حظي بعطف جماهيري في العملية الانتخابية منذ انطلاق المسلسل الديمقراطي في أواخر السبعينات، وكان بإمكانه أن يظل في قيادة جبهة اليسار الديمقراطي لو لا الأخطاء التي ارتكبت في إدارة المعركة ونسج التحالفات مع حزب الاستقلال، وسوء استخدام الشعارات الانتخابية .
من جهة أخرى لم ينجح في صياغة البرامج وتوظيفها المنتمون إلى البجيدي للإيحاء بأنهم من الصفوة المختارة التي اصطفاها اللـه لتحرير المجتمع المغربي من فساد وعبث الأحزاب التاريخية التي لم تقدم للمواطنين ما تستحق عليه ثقتهم في هذا الاستحقاق الجماعي والجهوي، وإن حدث كما تقول الأخ مصطفى: ” أي الإجهاز على العقلانية السياسية المغربية في ظروف كالتي نعيشها اليوم …، وهو ترسيم جهلي انطوائي اتجاه بيئة أو نسق صلب …” فهذا الانقلاب الذي مرره الناخبون لاستمرار تجربة الإسلاميين لا يعني بالضرورة فشل المنظومة المرجعية التي ساهمت فيها القامات السياسية والفكرية العملاقة بقدر ما عرا وأوضحت كما قلت أيضا: مثل العروي ولحبابي والجابري وطه عبد الرحمان …” ومن دون شك أننا نوافقك الرأي في الآتي:” يستحيل إنابة حلايقية من ناسخي الضلال والظلامية …” مع النخبة التي أثرت بعصارة فكرها في التحولات التي لا يزال المغرب يعيشها بدل أصحاب الفكر الببغاوي الذين يروجون لقوالب فكرية أيديولوجية لا علاقة لها بصيرورة الواقع الراهن كما يفعل اليسار اليوم.