لا بد من معايير موضوعية لإسناد المسؤوليات
عبد المجيد بن شاوية
المعلوم أن كل الدول تسعى جاهدة، وبدون كلل داخل المنتظم الدولي، إيجاد مركز أو موقع لها على قدم وساق مع بعضها البعض، سواء في علاقاتها الدبلوماسية أو بداخل التنظيمات الدولية، وتتوق إلى فرض كل منها توجهاتها السياسية والأيديولوجية، وأحيانا قوتها، ورؤياتها وتصوراتها خدمة لمصالحها وموازين قواها، بمكاييل ومعايير تزن بها كل الخطوات والقرارات المتخذة في علاقاتها الدولية، فيتأتى كل هذا حسب مواطن الضعف والقوة لدى الدول والأمم، ومدى هيكلة أنظمتها السياسية ومؤسساتها الداخلية، ومدى حجم الإشكاليات لديها داخليا وخارجيا، وأبعاد الحضور والغياب للجماهير في اتخاذ القرارات والإشراك السياسي ووعيها بحجم التحديات والمصالح الوطنية العليا .
ولاعتبارات عدة، تسند المهام والمسؤوليات التمثيلية الخارجية، للعمل على تكريس المصالح الوطنية، وكسب المزيد من الرهانات التاريخية والحضارية، إلى أجهزة وبعثات دبلوماسية موكول لها هذه الوظائف، في علاقات الدول الدبلوماسية لرعاية مصالح بلدانها والعمل على إقناع الأخر ومحاولات الاستدراج إلى الأطروحات الكفيلة بتحقيق المكاسب والاستحقاقات السياسية، وكذا تقريب وجهات النظر والعمل على التعريف ببلدانها وإظهارها بالدول الموجودة بها، وداخل المنتديات الدولية، سواء أكانت مؤتمرات أو مهرجانات، تظاهرات ثقافية / فنية / احتفالية / رياضية، وغير ذلك من هذا وذاك، من قبيل الوساطة والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وإجراء المباحثات الدبلوماسية ، ” فلما زاد الاتصال بين الدول وتداخلت مصالحها، لمست ضرورة وجود ممثلين لكل منها لدى الأخرى لإحكام ذلك الاتصال ورعاية هذه المصالح ” ( 1) ، “و لما كان لا يتيسر عمليا لرئيس الدولة أن يتولى بنفسه جميع شؤونها .. لذا تم توزيع هذه الشؤون على إدارات وأشخاص – وبين هؤلاء من تتناول مهمته إدارة علاقات الدولة بغيرها من الدول ويعرف بوزير الخارجية “، باعتباره ” حلقة الاتصال الفعلي بين دولته والدول الأخرى، فمعه يتباحث مبعوثو الدول الأجنبية في كل ما يهم دولهم “، ويتبع وزير الخارجية في كل دولة مبعوثوها لدى الدول الأخرى، فهو الذي يقترح تعيينهم، وهو الذي يصدر إليهم التعليمات الخاصة بعلاقة دولته بالدول التي يتولون فيها مهامهم ” ( 2 ) .
إذن، فبعد هذه المقاربة لبعض عناصر العمل الدبلوماسي ، حري بنا أن نطرح الأسئلة التالية : إلى أي حد استطاع الدبلوماسي المغربي التعريف ببلده في مجموع بقاع العالم ..؟ وأين نحن من الأهلية الدبلوماسية المعتمد عليها لإسناد المهام التاريخية والحضارية العظيمة ومجابهة القضايا الشائكة التي تقض مضجع المغرب داخليا وخارجيا ..؟ وبأي كوادر ومهام دبلوماسية التي تمكن المغرب من تجاوز حالات ووضعيات ” التطويق ” ( 3 ) – بلغة أستاذنا ومفكرنا عبد اللـه العروي – التي يعرفها تاريخه المعاصر ..؟ .
إن ما يثير انتباه المواطن المغربي، في هذه الآونة الأخيرة، هو حجم الإشكاليات والتحديات التي طرحت بحدة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وأن العمل على معالجتها ومحاولة تجاوزها، يتطلب الإرادة السياسية القوية وشحذ القوى واستنهاض الهمم على جميع المستويات، حتى يتيسر لنا كسب الرهانات المستقبلية، وخصوصا ما يتعلق بعلاقاتنا بالآخر الدولي والأممي .
والمعلوم أن الأدبيات الثقافية والدبلوماسية الرسمية للنظام السياسي المغربي، تقول بمفاهيم ومقولات ذات امتدادات كونية وعالمية، من قبيل – مقولة أرض الأمان والتسامح، ملتقى حوار الثقافات والحضارات، ومفهوم بلد السلم والسلام .. وأنه يعمل جاهدا من أجل ذلك عالميا .. ! .
ولئن كانت الدبلوماسية المغربية تعتمد وتتبنى رؤية كونية في علاقاتها الدولية، وضمن رؤية إستراتيجية تتعلق بالسيادة، فإن عليها آن تخلق الميكانيزمات والأجهزة الكفيلة بتحقيق الأهداف والمقاصد المتوخاة إقليميا وجهويا ودوليا، وأن طبيعة المصالح وأهميتها والقضايا الشائكة، التي على المغرب كسب رهانها، والتي تتصدرها الوحدة الترابية التي ما فتئت أن تتخلخل بفعل تصريحات مشككة أو مؤيدة أو مستفزة للشأن السيادي الترابي المغربي، كل ذلك يتطلب من المغرب تكثيف جهوده الدبلوماسية على جميع الجبهات لمحاصرة الخصوم بفعل دبلوماسية قوية عبر توظيف الكوادر الأكفاء الذين تتوفر فيهم الأهلية التمثيلية والتكليفية الدبلوماسية المشبعة بالروح الوطنية الحضارية المغربية، والإلمام الثقافي الجيد بمعطيات ومقومات الشخصية المغربية تاريخيا وحضاريا، والتي بفعلها يتسنى للدبلوماسي المغربي أن يظهر قوتنا للآخرين ويرسخ صورتنا النموذجية وإبراز قضايانا المصيرية منها والثانوية، إن المهام الموكولة لكل الكوادر واأطر وأجهزة البعثات الدبلوماسية المغربية” كمظهر من مظاهر السيادة” تستوجب معايير موضوعية وعلمية في إسناد هذه المسؤوليات الجسيمة، لأجل خدمة الوطن ومصالح البلد المقدسة، وكذا العمل على تشجيع الدبلوماسية الموازية ومبادراتها و الأخذ بيد فعالياتها، لإثارة وجس نبض الشغف والفضول الثقافيين لدى أي كائن إنساني وحضاري، وقياس درجات ردود فعل الآخر اتجاه قضايانا وأطروحاتنا .
إن العمل على سياسة احتواء فرضية ” التطويق “، تقتضي إستراتيجية دبلوماسية شاملة لاختراق الرأي العام الإقليمي والجهوي والدولي، سواء في جوانبه المدنية أو السياسية، العسكرية أو الدبلوماسية .
فقد عرف المغرب عدة مؤتمرات عالمية وشهد أحداثا، وسجل حضورا في مناسبات دولية عديدة، كل ذلك كان كافيا للسلك الدبلوماسي المغربي التعريف ببلده وبقضاياه في كل بقاع العالم، والعمل على إيجاد مركز وموطئ عالميين، لكسب الرهانات المستقبلية والاستحقاقات الملحة، لذا فمن اللازم والضروري للمغرب إعادة النظر وترتيب أوراقه في جهازه الدبلوماسي المعتمد، ونفض الغبار عن رفوف أجهزته، لإعادة الاعتبار للإنسان المغربي في كرامة مواطنته وتاريخه وثقافته وإنسانيته وحضارته .
إن القضايا المثارة بأجندة الدبلوماسية المغربية وردود فعل هذه الأخيرة، والتي تثير المواطن المغربي وتجعله يطرح أكثر من سؤال حول عمل الدبلوماسية المغربية، تجعل المتأمل بصددها أن يقف على مدى مرد وديتها وفعاليتها ودورها السيادي في علاقاتها بمصالح الوطن المقدسة، وخاصة في هذه المرحلة التاريخية بالذات ومنعطفاتها العديدة، ومدى علاقاتها بمفهوم تدبير الشأن العام الداخلي، وعمليات الإشراك السياسي الوازنة والفعالة في رسم الحدود المعقولة للممارسات السياسية في كثير من شعب الشأن العام ومؤسساته، ومدى علاقات المعطيات الداخلية بالممارسة الدبلوماسية في جوانب كثيرة من جهة مواطن الضعف والقوة داخليا وتأثيرها على وضعيات المغرب خارجيا سلبا أو إيجابا .
و أخيرا، يمكننا أن نطرح السؤال التالي، ليبقى معلقا إلى حين الإجابة عنه من طرف كافة المغاربة، هل الدبلوماسية امتيازات وشيكات على بياض، سيارات وقصور وفيلات فاخرة، وأعلام وطنية فوق معالم ارض الغير، وموائد عشاء وغذاء وفناجين قهوة في الفنادق الفخمة ..؟ أم أنها الروح الثقافية والتاريخية والحضارية بداخل أرواح الشعوب والأمم والثقافات والإنسيات والحضارات الأخرى ..؟ .
المراجع :
– 1 – القانون الدولي العام ، صادق علي أبو هيف ، الطبعة 11، الفقرة 267 ، الصفحة 485 .
– 2 – المرجع نفسه، الفقرة 266، الصفحة 484 .
3- تم التطرق إلى هذه النقطة من قبل المفكر والأستاذ عبد الله العروي ردا على أسئلة محمد الكحص ، والتي خصت الأوضاع الداخلية بالمغرب، وذلك في برنامج ” في الواجهة” ، في ختام موسم البرنامج خلال شهر يوليوز 2000 .