ماذا بقي ل. جامعة الدول العربية بعد اتضاح فشلها في القيام بوظائفها ..؟!
مع اتساع رقعة العنف والتوتر في الوطن العربي، وعجز الجامعة العربية على احتوائه، والحسم في تداعياته، ودخول أطراف أخرى من خارج المنطقة لتأجيج المواجهة الدموية بين العرب، واضطرار الملايين إلى النزوح واللجوء فرارا من العنف الدموي والدمار، أصبحت الجامعة ووظائفها والميثاق الذي ينظم الأهداف من وجودها بدون معنى أو شرعية، بعد إعلان عجزها على منع تدهور الأوضاع في العراق وليبيا وسوريا والصومال واليمن إلى ما هي عليه الآن.
هل لا يزال صالحا القول بأن للعرب جامعة قادرة على معالجة جراحهم الداخلية واحتواء مظاهر التفكك والعنف الدموي التي يواجهونها اليوم ..؟ وهل هذه الجامعة في الشروط التي أصبح عليها الوطن العربي تملك حرية الإرادة والقرار في القيام بوظائفها التي بخرتها الأحداث التي يعيشها الوطن العربي منذ بداية الربيع العربي الذي أضطرت فيه الجماهير للخروج في المظاهرات ضد الأنظمة العربية، كما حدث انطلاقا من تونس وانتشر في باقي الوطن العربي، والتي نجحت بعض الأنظمة في احتوائها بالإصلاحات السياسية والدستورية التي قامت بها في الوقت الذي استغلت فيه الدول الغربية الظرف للتدخل المباشر، كما حدث في ليبيا والعراق وسوريا واليمن والمستمر الآن على أكثر من صعيد وبكل وسائل التدخل المتاحة ..؟.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتقد أن الجامعة العربية استنفدت شروط بقائها بنفس الوظائف وبنفس الميثاق الذي يوجه كل المنظمات العربية التابعة لها، وأصبحت مطالبة أن تتحول إلى كيان وحدوي حقيقي على غرار الاتحادات القارية المجاورة، يساهم في تغيير الوضعية العربية إلى الأحسن في المجالات التنموية والديمقراطية والحضارية، انطلاقا من المؤهلات التي يمتلكها الوطن العربي وتتطلع موارده البشرية إلى أن يكون الاتحاد العربي في مستوى المهام التي يقوم بها الاتحاد الأوربي بالنسبة لأوربا، أو الاتحاد الإفريقي الذي تعمل دوله على بلورة وترجمة نفس الأهداف التي أصبح عليها الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى أن خيرات المنطقة العربية وجودة وتنوع مناخها وطبيعة تضاريسها يمكن أن تعمق عوامل الاندماج والتكامل العربي في أقرب الآجال.
هل سيختار العرب إذن الانتقال بجامعتهم الحالية إلى كيان اتحادي حقيقي ..؟ وهل الأنظمة العربية الحالية على استعداد للانخراط في هذا الورش الوحدوي ..؟ وهل توجد الإرادة السياسية والشعبية لتحقيق هذا التحول في النظام العربي الرسمي ..؟ وهل الظروف الحالية يمكن أن تساعد على انخراط العرب في هذه العملية التغييرية ..؟ وفي ماذا تتجلى العوائق والحواجز التي تحول دون تحقيق هذا الانتقال العربي ..؟.
بالنسبة لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ليس هناك ما يعوق العرب نحو هذا التحول إلا ضعف النخب التي تتصدر المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي في الظرف الراهن، حيث لا سبيل إلى خلخلة الأوضاع العربية إلا من خلال تحرك هذه النخب الجديدة، التي تدرك أن الربيع الديمقراطي الذي شهدته المنطقة تحول إلى خريف لا يعرف متى سيرحل عنها.
ما يمكن أن ننهي به هذا المقال، هو ضرورة استحضار العرب للبرامج والمشاريع الكفيلة بإنجاز هذا التحول في إطار هذا الكيان العربي الذي يعرف اليوم بالجامعة، عبر صياغة وإقامة أجهزة هذا الاتحاد العربي الذي يتطلع إليه الجميع، وعبر المراحل المنتظمة والتصحيحية وفق المشروع الوحدوي العربي الملائم لخصوصيتهم التاريخية واللغوية والسياسية والثقافية، ولطبيعة المشاكل التي يواجهونها اليوم والتي يؤدي الأبرياء ضريبتها في واضحة النهار، وفي زمن هذا النظام العربي الرسمي الذي يجب مراجعة الكثير من القوانين والقواعد التي يقوم عليها، خصوصا التي عمقت مظاهر الخلاف والتفرقة بين العرب وجعلتهم عاجزين على مواجهة النتائج الحالية التي لن تعالج بسهولة بعد أن أصبح لأعداء العرب دور مباشر وغير مباشر في نشأتها وفي استمرار تداعياتها.
إن كل المؤشرات الموضوعية تؤكد على ضرورة انتصار العرب على هذه الحرب الجاهلية الجديدة، التي حولتهم إلى قبائل متنافرة، يبحث من يملكون الثروة فيها على أسباب الهيمنة على الباقي الذي لا يملك شيئا، بعد أن استباح أعداء العرب ما تبقى من الاستقلال السياسي والاقتصادي في الدول التي تتجه أوضاعها إلى الإفلاس والاحتضار في شرق هذا الوطن العربي، وإلى حين استرجاع العرب لرشدهم وتغلبهم على عصبيتهم الجاهلية، ومعالجتهم لمشاكلهم في كيان وحدوي جديد مستقل، سوف ننتظر كغيرنا حدوث ذلك قبل فوات الأوان وهيمنة الظلام على الجميع .. فهل سيرضى العرب بأن ينتهي الصراع بينهم إلى إقبار ما تبقى لهم من وجود اجتماعي واقتصادي وثقافي وحضاري ..؟