انتخاب مكاتب الجماعات والجهات وهيمنة المصالح الحزبية
بسرعة ذهبت مواقف أطراف الأغلبية والمعارضة الرافضة للتحالف، حيث كشفت مشاورات انتخابات المكاتب على هيمنة المصالح الحزبية على أي مواقف أخرى للقيادات الحزبية، حيث سارعت أحزاب المعارضة إلى التحالف مع أحزاب الأغلبية لتقاسم ثمار العملية الانتخابية، وحتى الذين برروا هذه التحالفات لخدمة المواطنين لم يخفوا المصالح التي تنتظرهم من وراء التحالفات الجديدة، مما يكشف أن الأغلبية والمعارضة لا تمتلك السيطرة على المرشحين الفائزين، وأنها مجبرة على الخضوع لرغباتهم على حساب مواقفها من التحالف مع خصومها.
لم نندهش في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لهذه السلوكات الانتهازية الانتخابية المألوفة في مشهدنا الوطني، فجميع الأحزاب تبحث عن مصالحها أولا، ويمكن أن تتخلى عن التزاماتها اتجاه المواطنين إذا ما تعارضت هذه الالتزامات مع مصالحها الحزبية الضيقة، ولم يعد حتى التقارب المذهبي والأيديولوجي والسياسي يتحكم في هذه التحالفات الحزبية في انتخابات مكاتب الجماعات والجهات، ويكفي ما نلاحظه في هذه الانتخابات الجديدة التي أعلنت فيها أحزاب المعارضة عن المقاطعة مع أحزاب الأغلبية، لنكشف تبخر هذا الموقف في سلوك أحزاب الأغلبية والمعارضة بسرعة دفاعا عن المصالح الحزبية.
ما يمكن الوثوق به بعد انكشاف الغطاء عن الجميع، حيث أن أحزابنا على اختلاف توجهاتها اتضح أنها لا توظف تحالفاتها إلا لضمان ولاء منخرطيها ومناضليها وأتصارها، وأنها تسخرها لتنفيذ أجندتها الانتخابية والحزبية الضيقة فقط، ولا تشعر بقوة الصدمة حينما ينكشف توظيفها المصلحي ضد ثقافتها الحزبية، التي تتنافس بها مع بقية الجوقة الحزبية للوصول إلى مراكز القرار في المؤسسات المنتخبة في البرلمان والمجالس الجماعية والجهوية، وأن تأمين المصالح الفردية والجماعية يشكل الهدف المركزي لوجودها في المشهد السياسي والانتخابي، وأن ما تدعيه عن مشروعها المجتمعي ليس سوى سلعة إيديولوجية تسوقها لمن يبحث عن قنوات الصعود وتحسين المركز والانتماء الطبقي عبر هذه المنظومة الإصلاحية النفعية الواضحة، وأن هذه الأحزاب جميعها تستغل الظرفية الانتخابية وعزوف الطبقة الوسطى وقاعدة العاطلين وربات البيوت والمواطنين المسنين للتصويت عليها، وأن تميز هذه القاعدة الناخبة بارتفاع نسبة الأمية والهشاشة في صفوفها ستسمح لها دائما بتأمين فوزها في أي عملية انتخابية بما فيها تدبيرها للتحالف مع الأحزاب الأخرى للوصول إلى سلطة القرار في مكاتب المؤسسات المنتخبة.
لن نذهب في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، بعيدا للبحث عن ما يزكي هذه الملاحظات التي يقوم عليها سلوك الأحزاب في أي عملية انتخابية، فكل المؤشرات كانت تزكي قناعاتنا بفساد الممارسة الحزبية التي يراهن الجميع عليها لتأمين الفوز فيها حتى بالوسائل الديمقراطية، مما يؤكد عدم الاحترام الفعلي لمضمون وعمق الأهداف التي نشأت من أجلها، وأن لا علاقة لها بمرجعياتها، وأنها لا تملك زمام أمورها، وأن تأطيرها لمناضليها وارتباطهم الحزبي ليس له وجود .. وبالتالي، أنها مجرد وكالات انتخابية تسمح لتجار الانتخابات باستغلال التزكية الحزبية للوصول إلى سلطة المجالس، وليس لخدمة وتأمين مصالح المواطنين، وهذا ما يطرح إشكالية خطيرة حول مصير العملية الديمقراطية، إذا كانت ستنتهي بهذه النتائج الكارثية في تدبير المؤسسات المنتخبة بواسطة التحالفات المصلحية الحزبية فقط، التي تعصف بما تبقى للديمقراطية الانتخابية من مصداقية في الدعاية لها أو في الالتزام بقيمها ومبادئها.
إن الخلاصة المؤلمة التي يعاد تكريسها في هذه الانتخابات الجماعية والجهوية بعد دستور يوليوز 2011، هو توغل الفساد الانتخابي في سلوك الأطراف المعنية بالمشهد الحزبي والانتخابي، وانكشاف الأوهام التي يتم ترويجها من طرف أحزاب الأغلبية أو المعارضة عن الالتزام بشروط التنافس الديمقراطي في العملية الانتخابية، وتهافت الجميع على المصالح النفعية في هذه العملية الديمقراطية، ولأجل ذلك، نقول إن انتخاب مكاتب الجماعات والجهات بناء على هيمنة المصالح الحزبية سيعمق عدم ثقة المواطنين في المشهد الانتخابي، وفي سلوكات الأطراف الحزبية المعنية به، وأن نجاح العملية الديمقراطية مرهون بمدى إيمان الأطراف المشاركة فيها بأخلاقها ونبل أهدافها.