كشفت انتخابات الغرف المهنية نتائج ما كنا قد توقعناه في أكثر من مقاربة عن المشهد السياسي والانتخابي في الوطن، بالرغم من صدور وجهات نظر مضادة للخلاصات التي وقفنا عندها، وحول وجوب التعبئة وتغيير منهجية العمل الحزبي والنقابي، وتفعيل التأطير على البرامج والرؤى القابلة للنقد والمراجعة والتقييم، وهذا ما أكدت عليه انتخابات الغرف المهنية اليوم التي ظهرت فيها فئة المستقلين أو اللامنتمين كطبقة قادرة على منافسة الأحزاب والنقابات، وتراجع حزب العدالة والتنمية إلى الصف الخامس، وإفلاس ما تبقى للاتحاد الاشتراكي من وجود في المشهد الوطني.
إن النتائج كافية للفاعلين في الأحزاب والنقابات التي تقدمت نتائجها، ونفس الأمر بالنسبة لمن تراجعت شعبية حضورهم الجماهيري، وعلى المنتصرين والمنهزمين استخلاص الدروس ونقد الذات وتفحص النتائج بما يجب من الصراحة والصرامة والبحث عن الحلول، خصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية إن لم يكن بالفعل قد انطلقا في هذه العملية التقدمية قبل الاستحقاق المقبل، ومن موقعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، فالنتائج حسمت في الخريطة التي ستكون عليها تحالفات ما بعد استحقاق 04 شتنبر 2015، بعد أن اتضحت حقيقة النتائج التي لم تكن متوقعة من قبل الجميع، خصوصا بالنسبة للحزب الذي يقود الحكومة وكان مزهوا بشعبيته الجماهيرية الجارفة، والاتحاد الاشتراكي الذي كانت قيادته تتحدث عن قلب كبير للخريطة الحزبية لصالحه، سواء في انتخابات الغرف أو في الاستحقاق المقبل .. ومن المؤكد أن فوز اللامنتمين يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجدوى من دعم الدولة للأحزاب والنقابات، إن كان هؤلاء اللامنتمين قد برهنت النتائج التي حصلوا عليها على عدم فعالية وشرعية النشاط التأطيري والنضالي للأحزاب والنقابات التي كانت تتوقع الحصاد الكبير في انتخابات الغرف.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ندرك خطورة النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الغرف المهنية ونعتبرها مؤشرات لما يمكن أن تكون عليه انتخابات 04 شتنبر 2015، إذا لم تتحرك الأحزاب والنقابات ويتم نفض الغبار عن أنماط العمل الحزبي والنقابي التي تآكلت وتراجعت في فعالية مضمونها النظري والتنظيمي، وقد تعصف بما تبقى لهذه الأحزاب والنقابات من مصداقية لدى عموم الناخبين، ومن المؤكد أن جميع الفاعلين يراهنون على رفع التحدي من أجل إنجاز آخر عملية في مسلسل انتخابات الجماعات والجهات عبر التعبئة وتوظيف كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك.
لن نكون سذجا إذا تجاهل البعض حقيقة العزوف الانتخابي الذي قد يكون كبيرا في الاستحقاق المقبل، إذا لم تتمكن الأحزاب والنقابات من ردم الهوة وفتح الحوار الحقيقي مع المواطنين، ونهج طريق آخر لاسترجاع المصداقية في العمل الحزبي والنقابي في المجتمع الذي يمكن أن يموت إذا ما تم الحفاظ على آليات وبرامج العمل الحالية التي لم تعد قادرة على إقناع أحد، والتي أصبحت في حاجة إلى المراجعة والنقد والتطوير إذا أرادت الأحزاب والنقابات حماية حضورها من الاحتضار والإفلاس.
إن المشهد السياسي الوطني ستتضاعف الإكراهات التي يواجهها إذا لم تتحرك الأطراف الحزبية والنقابية قبل فوات الأوان، وهذا ما ينبغي على أحزابنا ونقاباتنا الاهتمام به قبل أن تتبخر آخر أوراق شرعية وجودها، وحينما نؤكد على جدية التحرك المبكر في مجال التعبئة لمواجهة العزوف، فإن ذلك ينبع أصلا من العلاقة الجدلية التي تربط بين وجود هذه الأحزاب والنقابات، وأدائها في المؤسسات التي يتم فيها اختبار مصداقية برامجها الانتخابية ومدى فعالية تأطيرها للمواطنين المعنيين بهذه الانتخابات الجماعية والجهوية.
زر الذهاب إلى الأعلى