عبد الله عزوزي   

ربما لأول مرة في تاريخ المغرب يكرم الفساد الأخلاقي بشكل رسمي، و لسوء حظ المغاربة، بالغين كانوا أو قاصرين، أن يستدرجوا إلى التطبيع مع الفساد الأخلاقي الذي يعتبر الأكثر قرافة من بين أنواع الفساد، من باب “التربية الإسلامية” وأثناء حصة الامتحان الجهوي ..! فلقد تداول العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي سؤالا ورد ضمن الأسئلة المتضمنة لذلك الامتحان مطلع الأسبوع الجاري، الأمر الذي اعتبر فضيحة ما بعدها فضيحة، فضيحة استحقت أن يقف عليها الإعلام الغربي، وعلى رأسه قناة CNN الأمريكية.  

                              
السؤال الذي أثار الكثير من السخرية والجدل جاء على الشكل التالي :” امرأة متوفى عنها زوجها وتعيل سبعة من أبنائها، ليتبين لأهل الحي بعد ذلك أن شخصا يتردد عليها بشكل مريب، فلما حاوروها حاورتهم بشكل إيجابي مشفوع بالشكوى، إذ شكت لهم حالة الاضطرار إلى إشباع شهوتها، وحال الاضطرار إلى مصاريف عيش أولادها وتربيتهم.” وجاء السؤال الموجه للممتحنين على الشكل التالي: “كيف تنصحها (الزانية) انطلاقًا من رؤية الإسلام إلى المال ..؟”

إن ما يزيد الطين بلة والجرح عمقا هو أن الأمر يتعلق بامتحان طرفاه هم واضعوه الذين لن يكونوا سوى لجنة من أساتذة مادة التربية الإسلامية، وقد يكونوا مؤطرين بمشرف تربوي، من جهة، والتلاميذ الممتحنين، ذكورا و إناثا، من جهة ثانية .. فماذا عسانا نقول اتجاه هذه النازلة ..؟

لا ريب أن قضايا فساد القيم، في بعدها الرذائلي، كانت إلى حدود لحظة تمرير مادة الامتحان الجهوي لهذه السنة تتداول شفهيا، وتنتعش على الهامش المتحكم فيه بالثقافة الشعبية التي تتسم بالظلامية والجهل؛ أما بعد أن اعترف بها المركز الوطني للتقويم والامتحانات، و زكاها، تكون إذن قد اكتسبت الطابع الرسمي الأولي في أفق الدسترة، لا قدرها الله، مستقبلا .. وعليه يكون سؤال القيم المغربية، النابعة من القيم الإسلامية الكونية، التي ارتضتها المملكة دستورا لها ولمسارها الحضاري، قد سبق إلى الوجود أسئلة عظمى أخرى، أكثر ملحاحية وأولوية، ظلت معلقة بين سماء الأمل وأرض الواقع، كسؤال الأمازيغية وأكاديمية محمد السادس للغة العربية.
فهل كان واضعو مادة الاختبار هذه ضحايا الزوبعة الإعلامية الأخيرة لما سمي” بالتدابير ذات الأولوية” التي قادتها وزارة التربية الوطنية، فاعتقدوا أن من الأولويات القصوى القفز بما أصبح يدعى مجرد مادة التربية الإسلامية من الدور الرسالي القائم على محاصرة قيم النكوص الأخلاقي، إلى مهمة التطبيع مع المنكر وإشاعة الخلل الخلوي الأخلاقي ..؟

إن المعتقدين بهامشية الأخلاق في تزايد مستمر بعدما أصبح الألم العربي ينحو منحى استهلاكي وسطحي، بعدما اعتقدوا أن الحياة تقوم على اقتصاد السوق الحرة و الإشهار الباحث على المزيد من المستهلكين، لكن ربما لا ينتبه أولائك إلى أن حبل مقاربتهم ليس قصيرا فقط، بل يوشك أن يقطع .. لا شك أن العمل على تحجيم دور الأخلاق والقيم في حياة كائن اليوم هي التي تقف وراء حجم الجرائم وهولها، وانعزالية الإنسان، وتزايد الإحساس بالكآبة والشقاء، والتدهور البيئي، وتشيئ المرأة و كثرة الإقبال على الانتحار .. وانخفاض مستويات الذكاء لدى الأطفال…
هذه بعض الأوجه القبيحة لذلك السؤال الذي يحاول إيجاد مبرر للرذيلة من خلال الترويج لأرملة فتحت بيتها لبديل لزوجها المرحوم، والذي حل ببيتها ذئبا في جلد كبش أملح، جاء ليطعمها حبا جما، و يطعم اليتامى مالا لما .. !
“إنه الدمار الفساد ما بقي… !