حتى تظل الديمقراطية المحلية قاطرة للتنمية الوطنية
مع تراكم التجربة الجماعية في الوطن، تبين للجميع قوة مفعول هذه التجربة الجماعية في ترسيخ الديمقراطية المحلية، التي أصبحت قاطرة للتنمية الوطنية، حيث لا أحد اليوم يمكنه تجاهل ما تم إنجازه عبر هذه التجربة الجماعية على امتداد جغرافية الوطن، سواء في البنية التحتية أو في تقريب الإدارة من المواطنين أو في برامج التنمية، رغم ما يزال يعترض الديمقراطية المحلية من إكراهات وتحديات على أكثر من صعيد.
كأي بناء تنموي وطني، عرفت التجربة الجماعية ترسانة قانونية منذ الستينات، شملت كل جوانب التجربة في مجالات الإدارة الجماعية والتدبير التقني والمالي والتنموي، جعلت من الوطن في الوسطين الحضري والقروي ورشا كبيرا تنافست فيه كل القوى الحزبية والنقابية على ترجمة برامجها الانتخابية، ودخلته نخبا محلية عبرت عن النسيج الاجتماعي بكل طبقاته، ولا تزال هذه التجربة مع كل انتداب جماعي تخضع للتقنين والتجديد في قوانينها التنظيمية، آخرها، ربطها بالتنظيم الجهوي الموسع الذي سيمنح هذه التجربة المزيد من وسائل القرب والتدخل لبرمجة وإنجاز كل المشاريع التنموية المحلية وتوسيع مشاركة النخب المحلية في هذه التجربة.
ما يثير النقاش بالنسبة إلينا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، هو محدودية إخضاع التجربة إلى ما يسهل على المواطنين عبر نخبهم المحلية والجهوية المشاركة في إغناء المنظومة القانونية وتطويرها وتحديثها وملاءمتها للتحولات المجتمعية العالمية، والتدخل في توظيفها للتنمية للجماعات والجهات التي تمارس فيها، على أن محدودية المشاركة السكانية في التجربة الجماعية تعود إلى ضعف الرهان على ما تحقق فيها حتى الآن، والاشتغال عليها انطلاقا من الإنجازات التي تم بلوغها في تجاربها المتعاقبة حتى هذه الفترة من التاريخ، حيث أصبح من الحتمي الرهان عليها بالنسبة للتنمية الوطنية، من خلال تطور مساهمة الأطراف المعنية بها، كأحزاب ونقابات ومجتمع مدني، التي ينحدر من الأغلبية أو المعارضة في مجالسها، حيث لا زالت مساهمة هذه المنظمات دون تطلعات الساكنة والنخب في هذه الجماعات والجهات، من خلال ضعف أداء مهامها التأطيرية والتنظيرية المتعلقة بالولوج إلى هذه المؤسسات التدبيرية الجماعية والجهوية، إلى الدرجة التي أصبحت فيها هذه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني تشكل عقبة في وجه النخب المحلية التي تحتاج إليها هذه الجماعات والجهات.
إذن، في أفق إغناء التجربة الجماعية، وتشجيع النخب المحلية، وتوطيد المقاربة التشاركية الديمقراطية لا مفر للهيئات الحزبية والنقابية والمدنية من إعادة النظر في نمط تدخلها الذي أصبح متجاوزا على جميع المستويات، ودون الوعي المتنامي للنخب المحلية التي يجب أن تكون محركا لهذه التنمية الوطنية عبر هذه المؤسسات الجماعية والجهوية.
إن انخراط النخب المحلية في التدبير الجماعي والجهوي في نظرنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، يتوقف على ما تضعه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني أمام هذه النخب من تأهيل سياسي ومهني وقانوني وإداري حتى تكون قادرة على القيام بمسؤولياتها التدبيرية والتنموية، وهذا ما تفتقر إليه هذه الهيئات الحزبية والنقابية والمدنية، حيث تنحصر مساهمتها الموسمية الانتخابية في تقديم المرشحين إلى الانتخابات الجماعية والجهوية فقط، مما يعني أن عدم تطور النظام الجماعي والجهوي في الوطن لا يزال مرهونا بما يمكن أن تساهم به هذه الأحزاب والنقابات والمجتمع، نتيجة سوء الوعي، والافتقار إلى الإرادة والمشروع، الذي يسمح لها بامتلاك المؤهلات التي تحتاج إليها في علاقتها بهذه النخب المحلية، التي تنوب عنها في المؤسسات، بدون التوفر على أدنى الشروط التي تساعد على القيام بوظائفها كما يجب، مما يعني أن هذه النخب أصبحت تحتاج إليها هذه المؤسسات الجماعية والجهوية انطلاقا من هذه المؤهلات والوعي الذي تمتلكه، والذي يفوق في الكثير من الأحيان ما تحمله هذه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني عن هذه الجماعات والجهات، ناهيك عن ضرورة تحيين هذه المنظمات لبرامجها الانتخابية التي تشارك بها في الانتخابات الجماعية والجهوية، التي تكون في معظم الأحيان برامج حالمة ولا علاقة لها بالواقع الفعلي لهذه الجماعات والجهات.
ختاما، نهمس في آذان مسؤولي هذه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بضرورة مراجعة ثقافة وأساليب عملها على صعيد هذه الجماعات والجهات، وتفتح المجال أمام النخب المحلية للمشاركة في الانتخابات وتشجيعها على التدخل لتنمية الجماعات والجهات التي تنتسب إليها.