الألفية الثالثة والخطاب الديني المطلوب من المسلمين
أمام المأزق الحضاري الذي أصبح عليه المسلمون في الألفية الثالثة المتسمة بالثورة الصناعية والتقنية وعولمة الرأسمالية والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وتطور قنوات التواصل والتفاعل الحضاري، لم يعد بإمكان المسلمين التأخر في الانخراط في هذه الصيرورة العالمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتكييف الخطاب الديني مع معطيات هذه التحولات الجديدة، واستمرار الرهان على الخصوصية الحضارية والتاريخية العاجزة على التلاؤم مع حركة المجتمع الإنساني المعاصر.
هذه هي الإشكالية التي يجب على منظري الخطاب الديني الإسلامي الاشتغال عليها، حتى يتم الحفاظ على الهوية المجتمعية القادرة على التلاؤم مع الألفية الثالثة، وبدون ذلك سيكون من العبث البحث عن الخطاب الديني الملائم لها، سيما إن كان مطلوبا حماية هذا الخطاب واستمرار الالتزام الفردي والجماعي به في شروط وقيم وعلاقات النظام المجتمعي في هذه الألفية الثالثة.
حينما نؤكد على أولوية التجديد والتحديث للخطاب الديني المطلوب في هذه الألفية الثالثة، فإن أهل الاختصاص في المؤسسة الدينية هم المعنيون بهذه الخطوة التجديدية، وفي تجارب مع بقية المؤسسات المعنية بالاقتصاد والنظام السياسي والثقافي لتحقيق الملائمة الضرورية لهذا الخطاب الديني مع التحولات في هذه البنيات الأخرى في المجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة، التي يجب على القائمين عليها التواصل ومد الجسور مع الفاعلين في الحقل الديني لإنجاز هذا التجديد للخطاب المطلوب، الذي لن يحقق بدون الإيمان بحتمية الاشتغال عليه للوصول إلى الإيجابيات عن الأسئلة المطروحة في هذه الألفية الثالثة المادية والتقنية المتقدمة.
هكذا نعتقد وبالتلقائية المنفتحة على من يشاركنا الحياة في هذا العالم الإنساني، من أن التحديث والاجتهاد في الخطاب الديني هو الذي سيقلص مسافة الفروق التي تفصل المسلمين عن باقي المجتمعات الأخرى، التي تحاول تطبيع هويتها مع حضارة هذه الألفية الثالثة المتقدمة والمتجددة، والتي لا مكان فيها لمن لا يؤمن بقيمها الديمقراطية والحداثية والحقوقية .. وخصوصا، بالنسبة للمسلمين الذين يمتلكون عقيدة تشرع وتكرس قيم التسامح والتعاون والتطور والتحرر والعدل في كل مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما هو منصوص عليه في الدين الإسلامي الذي شكل منذ البعثة المحمدية ثورة على الاستبداد والانغلاق والتأخر