المسلمون وضرورة تجديد الخطاب الديني
بات في حكم الضرورة فتح الأبواب في وجه من يجدون في أنفسهم من رجال الدين القدرة على الانخراط في معركة تجديد الخطاب الديني، حتى تتم ملاءمته مع التحولات المجتمعية المعاصرة، ويكون بالإمكان احتواء النزوعات الفردية والطائفية حول الإرهاب الذي يمارس بالخطاب الديني المتشدد والعاجز عن التلاؤم مع هذه التحولات السريعة، التي يعيشها الإنسان في الفترة المعاصرة في كل المجالات.
من ياترى هم المؤهلون لخوض غمار هذه المعركة لتجديد الخطاب الديني ..؟ وهل هناك وعي لدى من سينخرطون في هذه المعركة بالأولويات والمناهج ومجالات الاشتغال عليها في هذا الخطاب ..؟ وهل الخطاب الديني المعني بهذه المعركة يتعلق بالنصوص الدينية القطعية الثبوت أم بالنصوص ضعيفة الثبوت .؟ وهل هذه النصوص تخص القرآن والاجتهادات الفقهية في تفسيره وتحليله، أم تخص السنة النبوية من حيث الأحاديث أو شرعية التعبير عنها من قبل الرواة أو المفسرين ..؟ وهل الأمر يخص فقه النوازل أم فقه المقاصد ..؟ وهل يتعلق الأمر بالنص الديني أم تطبيقاته، أو بالجدل الفقهي لإبراز قيمته وصحته، أم بنقده ولإبراز جوانب قصوره ونقصه ..؟
إن المقدمات في المنطق دائما تعطيك نفس النتائج، فإن كانت هناك ضرورة لتجديد الخطاب الديني، فإنها تستدعي تحرك القائمين عليه والملمين والحافظين له في مختلف تخصصات الثقافة الدينية باعتبار التجديد المرغوب فيه لا يمكن أن يكون صحيحا وجيدا إلا من أهل العقد وأولي الأمر من الفقهاء والأئمة والمفسرين، فهم بحكم التخصص الأقرب والأكثر وعيا بما يجب أن يكون عليه الخطاب الديني، خاصة في نص السنة النبوية التي تتميز بظنية الثبوت من جهة، وتعدد مصادرها والاجتهادات الفقهية التي شهدتها، كما تشرحها المذاهب الإسلامية الكبرى والمدارس الفقهية المختلفة على امتداد العالم الإسلامي، وعبر جميع مراحل تاريخها حتى اليوم.
المسلمون اليوم مطالبون بالنقد الذاتي وإعمال العقل والعلم في تصحيح الخطاب الديني والروايات التي تشوبها جوانب النقص في اللغة والمضمون والمصدر، وتتطلب قراءة جديدة قادرة على التلاؤم مع طبيعة الحياة المعاصرة، خاصة في السنة النبوية المرتبطة بسياقها التاريخي ولاجتماعي والسياسي، الذي نسبت فيه للرسول (ص) الكثير من النصوص الغير الصحيحة، وكذلك الأمر بالنسبة للتفسير المتعلق بالنصوص القرآنية، التي لم يتمكن من تناولونها بالتحليل والشرح في تكييفها مع التحولات الجديدة التي مر منها المسلمون في القرون الحديثة التي تختلف جذريا مع ما عاشوه في فترة سياق نزول هذه النصوص القرآنية، ناهيك عن ضيق فرص الاجتهاد والتأويل التي حاول فيها العلماء ورجال الدين القيام بذلك في فترات القهر السياسي والطبقي والاستعماري، التي مرت منها المجتمعات العربية والإسلامية.
إن واقعنا الإسلامي والعربي يستدعي الصحوة الإسلامية التنويرية حتى يتمكن المسلمون من الحصول على الإجابات التي تطرحها أوضاعهم المرحلية، بما هي عليه من تخلف وقصور وفوضى وتراجع، عبر التعامل الموضوعي النقدي مع الخطاب الديني الذي توظفه جماعات التطرف وأمراء الدم من كل الطوائف والحركات لفرض منظورها الانتقائي الظلامي للنصوص الدينية، التي تشرعن نشاطها الإرهابي الذي يمس اليوم كل جوانب الحياة الإسلامية والعربية، والذي يستهدف إيقاف عملية التغيير والتحول والتحرر التي يجب أن يكون عليها المسلمون في هذه الظرفية التاريخية، التي لا مكان فيها لمن يريد أن يعيش على ثقافته العاجزة عن الحركة والتطور والتغيير، وعلى نمط عيشه الاقتصادي والسياسي والحضاري الذي يفتقر إلى القدرة على التنافسية والإبداع والنقد.
ختاما، نقول لمن بيدهم أمر الخطاب الديني في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عبر جريدة “المستقلة بريس” أن المسلمين اليوم مطالبين بتجديد الخطاب الديني، وأن هذه المطالبة أصبحت تشكل ضرورة حتمية وإلا فقد هؤلاء المسلمون ما تبقى من مشروع الإسلام التحرري والإنساني والحضاري الذي تمكنوا بواسطته من أن تكون لهم بصمات قوية وحية في تاريخ الحضارة الإنسانية، وأن هذا التجديد يجب أن يطال كل مقومات ومكونات هذا الخطاب الديني حتى تتمكن المؤسسة الدينية من استعادة دورها التأهيلي والحضاري، بدل أن تكون مؤسسة معرقلة لتحقيق الأهداف الأخلاقية والتربوية والحضارية التي يدعو إليها الدين في مضمونه الأصلي، الذي وقف فيه المسلمون على ما اعترى النصوص الدينية في الديانات المسيحية واليهودية من نقائص وأخطاء جعلت الخطاب الإسلامي الديني أكثر غنى وتطورا وملائمة إلى أن وقع في أيادي وعقول وسلطة هؤلاء التحريفيين الأصوليين الذين يريدون أن يكون في خدمة أهدافهم السلطوية والطبقية الواضحة.