حول مهزلة “مشروع مدونة الصحافة والنشر”(3)
ليس هناك مجهودا من قبل اللجنة العلمية فيما يخص تحديد معالم المقاولة الصحفية، التي ستمارس دورها وفق متطلبات السوق، حسب قانون العقد الجماعي الذي يمكنها من دعم الدولة لاستمرار صدورها، بدل أن يكون لها الحق في الحصول على الحوافز التي تشجعها على توسيع رأسمالها وتنميته، كما تخضع لذلك جميع المقاولات الإنتاجية والخدماتية، عبر تسهيل مسطرة الحصول على القروض بضمان قانون التأسيس، وعقد الالتزام باستمرار العمل والإنتاج والتسويق، وتخفيف شروط الحصول على القروض، بدل الرهان على الدعم الذي يجب أن يكون من نصيب المقاولات الجادة والأكثر حضورا في السوق الاستهلاكيةـ والأكثر جودة في منتوجها الصحفي والإعلامي، وإلغاء الدعم الذي تحصل عليه الصحف الحزبية، إلا إذا خضعت كغيرها للقوانين التنظيمية في هذا المجال، مادامت هذه الصحف الحزبية قد تراجع نفوذها واستهلاكها في المشهد الصحفي والإعلامي، وأصبحت مجرد نشرات حزبية، وذلك لحماية المال العام العمومي، والحرص على صرفه على الصحف الأكثر إنتاجية وتأثيرا على جمهور القراء، من أجل تكريس العدالة في التمويل والتسويق، وانسجاما مع التوجه نحو تكريس معايير اليونسكو في الحرية والاستقلالية والتعددية والحماية، وتحويل هذا الدعم إلى الزيادة في منحة الجائزة الكبرى للصحافة السنوية، لتشجيع الفاعلين على الرفع من المردودية والفعالية والتنافسية في كل أجناس العمل الصحفي والإعلامي .. ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن هذا التوجه هو الذي يمكن المقاولات الصحفية من الانتباه إلى مسؤوليتها المهنية، بعيدا عن الاتكال على تدخل الدولة ودعمها الذي لا يساعد على استقلالها.
وتظل مقتضيات باقي مواد هذا الفرع الأول التي تشير إلى ما يمنع المؤسسة من القيام بدورها الصحفي المحدد في المواد 10 – 11 و 12، مع أن اللجنة العلمية لا يعنيها تعريف الممارسة الصحفية وتنوعها وطبيعة ممارستها في مواد هذا الفرع، التي تكاد تكون خاصة بالمؤسسة الصحفية الاستثمارية فقط، وهذا ما يخالف الواقع الذي توجد عليه معظم الصحف، باستثناء التي دخلت المجال كشركات مساهمة تبحث عن الأرباح في تسويق منتوجها الصحفي، والتي تشكل فئة قليلة.
بالنسبة للباب الثاني من القسم الأول، المتعلق بإدارة الصحيفة، تتحدث مواد الفرع الأول منه عن مدير النشر، وما يجب أن يتوفر عليه من شروط لأداء هذه المهمة في المواد 13 – 14 و 15، التي لا نرى فيها جديدا، فهي تذكر المدير المسؤول بواجباته القانونية، كما جاءت في بقية القوانين السالفة، ويبقى الفرع الثاني من هذا الباب الثاني هو المعبر عن الجديد الذي يتحدث عن المدير المساعد والاختصاصات الموكولة إليه في المؤسسة وتوضحها المواد 16 – 17 و 18، التي تعكس جديدا في القوانين السايقة.
أما الباب الثالث من القسم الأول، الذي يتحدث عن التصريح القبلي والبيانات الإخبارية المتعلقة به ليس هناك تحفظا على الجوانب القانونية الضرورية للتعريف بالمؤسسة والعاملين فيها والجوانب المتعلقة بالحصول على وصل الإيداع النهائي، والإشكاليات التي تعرفها مراحل ذلك، فإن جميع مقتضيات مواد هذا الباب، من 20 – 21 – 22 – 23 – و 24، تعتبر عادية، والمثير فيها هو العقوبات كما حددتها المادة 24، وهذا يقودنا إلى أن مشروع المدونة يستهدف الصحيفة وتشريدها من قبل أن تصدر، مما يعني مباشرة ممارسة الضغط الإداري والقانوني على صاحب المطبوع أو أصحابه، والتي تظهر في الباب الرابع الخاص بالبيانات الإخبارية والإعلانات التي يجب على صاحب الصحيفة أن يحترمها وجوبا لفائدة السلطة الحكومية الوصية، ولهيئة المحكمة التي وضع لديها التصريح بالإصدار، كما جاء التذكير بها تدريجيا في مواد هذا الباب 25 – 26 – 27 و28، مما يؤكد وجهة نظرنا، بأن ما يوجه مشروع الوثيقة هو الهاجس الأمني الذي يحد من ممارسة الحرية الصحفية التي أزيلت عنها العقوبات الحبسية لتُعوض بالغرامات المالية الثقيلة.
يحيلنا هذا القسم عبر أبوابه إلى أن مقومات المقاولة الصحفية، يجب أن تكون في شروطها الدنيا، وأن يكون الرهان على تمكين أي مقاولة صحفية ورقية كانت أو إلكترونية من العوامل المساعدة على الصمود في السوق، وامتلاك كل الوسائل القانونية والمالية للانخراط في مغامرة التنافسية لتحقيق الجودة المطلوبة من إنتاجها الصحفي أو الإعلامي، وتخفيف العقوبات المالية التي تؤدي في حالة الاحتكام إليها إلى الموت السريري لأي مقاولة صحفية، وتكريس الأمراض والمساوئ التي تسعى المدونة إلى احتوائها في المشهد الصحفي والإعلامي الوطني.