بشراك الاقتصادية يوم الإضراب يا رئيس الحكومة وما ينقصها
ليس أمامنا في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا أن نشاركك الفرحة يارئيس حكومتنا في البشرى الاقتصادية، التي حملتها للمواطنين المغاربة، في يوم الإضراب العام، وهي البشرى التي تؤكد ثقة المؤسسات المالية الدولية في نهجك التدبير المالي والاقتصادي، وأن هذه الثقة أصبحت تتجلى في ترتيبنا في لائحة الدول التي تتمتع بالمصداقية والتوازن والاطمئنان على وضعها المالي، هذا الترتيب في الموقع 16 الذي يكشف عن حسن السيرة والالتزام بالتوجيهات في تدبير اقتصاد ومالية الدولة، عوضا أن يكون هذا الترتيب الجديد مقرونا بالآثار الإيجابية على حياة المواطنين المتضررين من نهجك التدبيري التقشفي في نفقاته الاجتماعية، التي لا زالت في تراجعها الذي سيهدد ما تبقى للمواطنين في مواجهة الإفلاس الشامل الذي لاترضاه يارئيس الحكومة لإخوانك المغاربة في نهاية المطاف، ولعلك وقفت بالملموس على زيف ما كان يروج له، بأنه لا توجد مبررات لهذه الرؤى السوداوية السلبية في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، وأن صبر المغاربة تجاوز كل المعدلات التي لا تطاق، وأن الشعارات المرفوعة عن خفض الإنفاق الحكومي والبرلماني التبذيري، وأن استهتار الأقلية المحظوظة بتفوقها الطبقي، وأن استشراء الفساد وغياب الحكامة الجيدة في تدبير القطاعات الإنتاجية والخدماتية لا أحد يوافق على استمراره .. وبالتالي، فإن التنويه الدولي في حاجة إلى آثاره الإيجابية على حياة المغاربة في مستوى معيشتهم وفي المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بالدخل والتشغيل، والقوة الشرائية والسكن والخدمات التعليمية والصحية، وهذا ما لم يبرز في هذه البشرى الاقتصادية، التي لم تحمل جديدا حتى للمضربين الذين كانوا ينتظرون وقف قانون المقايسة وإصلاح صناديق التقاعد والمقاصة ورفع الأجور وتوفير مناصب الشغل للعاطلين.
إننا نسائلك السيد رئيس الحكومة عن اختيارك للإعلان عن البشرى يوم الإضراب، وعن ماذا سيستفيد المغاربة منها إن كانت وضعيتهم لم تعد تتحمل الاستمرار في هذا الوفاء في تطبيق توصيات المؤسسات الدولية التي لا تهمها إلا التوازنات المالية في اقتصاديات الدول التي تقترض منها، ولا يعنيها بؤس وفقر هذه الشعوب إلا إلزام حكوماتها بإحكام القبضة الحديدية على التوازن في ميزانياتها حتى تتمكن من الوفاء بديونها في أوقات تسديدها..؟ ونظن أنك يارئيس الحكومة حينما كنت في المعارضة، لم تكن متحمسا لإلزام الحكومة حينذاك بعقودها مع هذه المؤسسات المالية الدولية، والتي لا تختلف معنا بأنها أدوات ضغط في يد الشركات المتعددة الجنسية ورؤوس الأموال العابرة للقارات حتى تظل حرة في الصرف في هذه الدول النامية، وفي أرباح شركاتها دون أن تساهم في تنمية اقتصادياتها وتحريرها من شروط هذه المؤسسات المالية الدولية، وهذا ما يتضح في سياستك الاقتصادية التي لم تتحرر من طابع التبعية والاستمرارية في النهج الاقتصادي الذي التزمت به جميع الحكومات منذ الشروع في الإذعان للمؤسسات المالية الدولية.
وإن كنا لا نحملك إرث الماضي الثقيل، الذي لاشك أنك كنت تعارضه من قبل، فإن عدم تغييرك للسياسة الاقتصادية وحرصك على التوازن الماكرواقتصادي والمالي فقط، وعلى حساب فقراء وكادحي الوطن، يحرضنا على دعوتك إلى التخلي عن هذا النهج التفقيري الذي أصبح يمسك برقاب جميع الشعوب التي التزمت بتطبيقه، كما هو حال دول الجوار الأوربي والإفريقي والأمريكي اللاثيني، والطريق المعبد والسهل يكمن في الالتزام بفضيلة الحوار مع الجميع، وفي طليعتهم ممثلي القوة المنتجة في المجتمع عبر نقاباتهم المهنية التي لانشك أنها تتمتع بالأساس بالمسؤولية وروح المواطنة، التي يمكن بواسطة الحوار المنتج والمسؤول تحقيق الانفراج والحلول والثقة المفقودة الآن، أما العناد وركوب سياسة التجاهل المطلق فلن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة واستفحال تداعياتها التي لا تخدم مصالح أي طرف، ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أنكم تمتلكون ما يساعدكم على تجاوز العقبات والإكراهات، التي تحول دون تغيير المسار التقليدي للحوار الحكومي والنقابي، وتدركون مخاطر استمرار سياسة الأمر الواقع التي لا توقف الاحتقان والاحتجاج والإضراب.
ولصالح حاضر ومستقبل الوطن، لا مفر من التنازل والجلوس للحوار الذي يظل المدخل الطبيعي لمعالجة جميع المشاكل بما فيها التي لم تتمكن الحكومات السابقة من تحقيقها،البشرى إذن يا رئيس حكومتنا الموقر، التي كنا ننتظرها منك تتجلى في هذه الرؤيا التي شرحنا بعض عناصرها في هذه المقاربة، ولنا اليقين في حسن إرادتكم على أن تتقدموا بما يساعد على تعبئة جميع المغاربة لمعالجة قضايا وطنهم الشائكة، بعيدا عن سياسة من يعترف بالأزمة ولا يريد الاعتراف بالافتقار إلى الوسيلة الفعالة لمواجهتها، المتمثلة في إشراك جميع من يهمه السلم الاجتماعي في الوطن واحتواء ما يهدد مشروعية البحث عن ما يقوي هذا السلم الاجتماعي في السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يشارك الجميع في صياغتها وتنفيذها، ولا نعتقد يارئيس الحكومة أنكم تتجاهلون المخاطر والمساوئ التي تسبب فيها إغلاق قنوات الحوار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي يحتاج إليه الوطن من أجل معالجة الأزمة الهيكلية والبنيوية التي يعاني منها، والتي لا تستطيع توجهات المؤسسات الدولية معالجتها في غياب حماس وثقة ومشاركة الشعوب في كل مراحلها.