التنافسية الاقتصادية تتطلب القوة الشرائية الملائمة يا رئيس الحكومة
لم يعد بإمكان رئيس الحكومة الاحتماء بالأرقام الحالمة، التي كان يتوقع تحقيقها من الإصلاحات الماكروإقتصادية المتعلقة برفع نسبة النمو السنوي، أو خفض عجز الميزانية والمديونية والميزان التجاري، ما دامت نجاحاتها مرتبطة بتقلبات الاقتصاد الدولي، فهذه الأرقام لا تعني شيئا بالنسبة للمواطنين، الذين يتطلعون إلى تحسن وارتفاع قوتهم الشرائية، والزيادة في أجورهم وتخلصهم من شبح البطالة الذي يطال اليوم جميع الأسر، والذي يواجهونه بالتضامن في تحمل تكاليفه بواسطة الاقتصاد العائلي، الذي لا يزال يحم الحكومات المتعاقبة من انكشاف عجزها في معالجة الأزمة الاقتصادية الهيكلية، التي تتناسل كمرض سرطاني مزمن في الوطن إلى الآن.
ما نلاحظه على أرض الواقع، هو استحالة الوصول إلى تحقيق أهداف هذه السياسة، التي فشل من كانوا قبله على رأس الحكومات المتعاقبة في مجرد الحلم بإمكانية تطبيقها، فبالأحرى إدراك نتائجها .. خصوصا، إذا كانت هذه السياسة التنافسية الاقتصادية تتطلب بنية تحية كفيلة بالتكيف معها، وهذه النسبة التي يقوم عمودها الفقري على القاعدة المستهلكة لمنتوجات وخدمات هذه التنافسية الاقتصادية غير موجودة انطلاقا من طبيعة ضعف القوة الشرائية للقاعدة العريضة المستهلكة، وارتفاع نسبة البطالة، وضعف أجور الشريحة المشتغلة في اقتصادنا الوطني، وحتى القاعدة المستهلكة في الأسواق الأجنبية لاتملك القدرة التنافسية فيها، فبالأحرى الرهان على المشاركة فيها انطلاقا من التباين في كلفة منتوجاتنا الخام أو المصنعة مع نظيراتها المنافسة لنا في الأسواق الخارجية.
أمام غموض وانعدام عوامل نجاح هذه السياسة، التي يرغب السيد بن كيران تنفيذها، نؤكد من موقعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن موضوع التنافسية يحتاج إلى الحوار المعمق مع كافة الأطراف المعنية، وتوفير المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الملائم لذلك، وهذا ما لا يوجد على أرض الواقع، مما يستوجب صراحة من رئيس الحكومة التخلي عن دغدغة محاوريه في البرلمان وغيرهم، والتحلي بالواقعية في الإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليه وتضطره إلى الانفراد بالأجوبة والقرارات والحلول التي تقتضي مشاركة باقي الأطراف المعنية، والمثير للجدل أن الأمر ينتهي في غالب الأحيان إلى مجرد ردود فعل لا حاجة لرئيس الحكومة بها، سيما وأنه يتخيل معارضيه من العفاريت والتماسيح باستمرار، وهذا ما يفرض عليه عدم التسرع في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه بطريقة غير مباشرة من خصومه من هؤلاء التماسيح والعفاريت، ولعل مسؤوليه في وزارات الاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة والفلاحة والحكامة يعرفون أنهم المعنيون بهذه الأسئلة، وخصوصا الوزير المرتبط أداؤه بالتجارة والأسعار والمعني بالحكامة والإجابة عن موضوع العنوان، وعن ما يجب أن يتوفر في اقتصادنا إذا كان رئيس حكومتنا يريد فعلا التنافسية الاقتصادية في واقعنا المغربي، فإلى أي درجة يا رئيس الحكومة نتوفر على القاعدة المستهلكة الملائمة لهذا التوجه الاقتصادي، الذي تدعو إليه ..؟ وهل واقع الأسعار الحالي يتناسب والقوة الشرائية للسواد الأعظم من هذه القاعدة المستهلكة، سواء تعلق الأمر بالمواد أو الخدمات ..؟ وهل تمتلك هذه المواد والخدمات مواصفات الجودة التي يجب أن تكون عليها التنافسية التي تعتقدون يا رئيس الحكومة أنها ضرورية لحاضر ومستقبل اقتصادنا الوطني ..؟ نتمنى أن تجد هذه الأسئلة من يجيب عنها في هذه الحكومة الموقرة لمطالبة بترجمة شرعية وجودها وأدائها في الاقتصاد، الذي تزايدت معارضته في صفوف الفئات المجتمعية، ومن ذلك عدم تفعيل هذه الحكومة لقانون المقايسة، الذي ينص على احترام شروطه المتعلقة بالتجاوب معه سلبا وإيجابا، وهذا ما لم تقم به هذه الحكومة في الفترة الراهنة، التي تتميز عالميا بانخفاض أسعار النفط الخام، الذي كان ارتفاع أسعاره سببا في الإقدام على تحرير الأسعار، وعلى الاستغناء على صندوق المقاصة، فلماذا لم تلجأ إلى تخفيض الأسعار في المواد الاستهلاكية والخدمات تبعا لهذا القانون الاقتصادي الذي اختارته الحكومة كحل سحري للالتفاف على صندوق المقاصة، الذي تعرف أن أهم مستهلكي الدعم الذي تخصصه له تستهلكه الشركات الكبرى في مجال إنتاج المشروبات الغازية والغذائية والمخابز، فماذا انتظر رئيس الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار للمواد والخدمات الأكثر استهلاكا التي تحتاج إليها الفئات الأكثر يؤسا وفقرا في المجتمع، الذي ارتفعت نسبهم في الهرم السكاني جراء السياسات التفقيرية الحكومية المتعاقبة ..؟ حبذا لو تحقق معدل النمو المعلن عنه من قبل قناة BBC والذي سيصل إلى 45%، وإن كنا نشك في مثل هذه الأرقام، حتى وإن تم الإعلان عنها عبر قنوات إعلامية خارجية، وإن كنا متأكدين من أن بلوغ هذا المعدل سيكون من المعجزات في اقتصاد لا زالت معالم الاستقرار في قطاعاته المنتجة غير واضحة، ولا يزال يصدر أكثر ليؤمن وارداته من المنتوجات التي يمكن أن يحقق فيها الاكتفاء الذاتي، خاصة ذات الطابع الفلاحي، انطلاقا من أن الاقتصادي الفلاحي لا يزال رغم ضعفه وخضوعه للمتغيرات المناخية يمكن أن يكون مصدرا منتجا لما يساعد على رفع صادراتنا من جهة، وضمان فرص العمل لساكنة العالم القروي، التي تضطر إلى الهجرة إلى المدن للعمل في الأنشطة التي يقوم عليها القطاع الثالث الغير مهيكل، وهذا ما ليس واردا في السياسة الاقتصادية لهذه الحكومة، ولمن سبقتها رغم أن الاقتصاد الفلاحي يمكن أن يكون رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية التي تحرر الوطن من الوضع الديلي المتأزم الذي يوجد فيه الآن.
لن نختم النقاش حول هذا الموضوع، دون أن نذكر رئيس الحكومة أنه في حكومة ذات أغلبية نسبية ومشكلة من تخالف حزبي لا توجهه نفس الرؤيا الاقتصادية التي يؤمن بها، وأن مسؤوليته على رأس هذه الحكومة الائتلافية الإنصات إلى مكوناتها التي تملك توجهات وبرامج مغايرة، بالإضافة إلى أن هذا التحالف مطالب بكل مكوناته بوضع السياسة الاقتصادية التي يمكن أن تساعد على إيجاد الحلول للأزمة الهيكلية التي لا يزال يواجهها اقتصادنا الوطني، والتي لا شك أن رئيس الحكومة على علم بأدق تفاصيلها، ومن أن المغاربة على اختلاف مرجعياتهم ينتظرون تجاوز تداعيات الأزمة، بدل الفهلوة في إنتاج الحلول التي لا يمكن الوصول إليها.
ما يمكن استخلاصه من سياسة رئيس حكومتنا الاقتصادية، أنه لم يعد يتوفر على مساحة أخرى للتعتيم والتضليل الذي يواجه به خصومه حول الأزمة الاقتصادي الخانقة، التي لم يعرف كيف يتعامل مع إكراهاتها رغم انخفاض أسعار البترول، الذي كان عليه أن يشغله في تفعيل قانون المقايسة لصالح ذوي الدخل المحدود، وتحسين معيشة الشرائح الأكثر فقرا في المجتمع، إلى جانب العجز على إثبات صحة وقوة السياسة الاقتصادية التي ينهجها، والتي لا يزال يردد قدرتها على النهوض بالاقتصاد الوطني، والتي تقوم على توسيع مساحة التحرير الاقتصادي لتمكين الاقتصاد المغربي من دخول التنافسية في الاقتصاد الدولي التي يعرف أننا لا نملك أبسط شروطها، سواء في الإنتاج والتصدير والسويق في الداخل والخارج، فبالأحرى من طرح التوقعات الاقتصادية الحالمة حولها.