أخبارنافذ غلى الثقافة والفننافذة على الثقافة و الفن

ماذا يحدث داخل أسوار جامعة ابن طفيل ..؟



 

بقلم- منصف الادريسي الخمليشي

أعطني مسرحًا وخبزًا، أُعطِك شعبًا عظيمًا .. هكذا، خلد التاريخ مقولة تختزل العلاقة العميقة بين الفنون وكرامة الإنسان، وهي المقولة التي أستهل بها هذا المقال، وأنا أستحضر ما حدث اليوم بجامعة ابن طفيل

قرر مجموعة من الطلبة تنظيم حفلا فنيا يرقصون على جثث الموتى، طبعا هذه هي الرواية التي يعتقد أولئك الممجدين للأفكار الماركسية إنه ذلك المفكر البريء من أفكارهم، في إطار فعالية ثقافية حاول تنظيمهما طلبة شباب، بتعاون بين النادي السينمائي وشعبة التعلمات العامة، وبشراكة مع أكاديمية فنون الإعلام والسمعي البصري، كان من المقرر تقديم حفل فني يضم مجموعة من الفقرات و التي من بينها عرض مسرحي و فيلم قصير و غيرها عمل عليه هؤلاء الطلبة لأزيد من شهرين من التعب والمثابرة، غير أن هذا الحفل الفني، الذي كان يُفترض أن يكون لحظة احتفاء بالإبداع والتسامح والتعبير الحر، تم منعه بشكل مفاجئ، تحت ذريعة “التضامن مع فلسطين”، في مشهد أقرب إلى العبث السياسي منه إلى النضال الحقيقي

ما حدث ليس مجرد “وقفة تضامنية”، بل هو اقتحام لفضاء ثقافي ومسرحي، تم تحويله إلى منبر للصراخ والشعارات الروتينية، تُغلفها نزعة أيديولوجية، تعكس انحرافًا عن قيم النضال وحرية التعبير .. رفع شعار “رئيس الجامعة يا متصهين” ليس فقط تعديًا لفظيًا، بل يشكل خرقًا واضحًا لقيم الاحترام وللإطار القانوني الذي ينظم الحياة الجامعية

ينص الفصل 25 من الدستور المغربي على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها” ..  لكن، هذه الحرية لا تعني الفوضى، ولا تبرر الاعتداء على مؤسسات الدولة أو على الأفراد داخلها، كما أن الفصل 29 من نفس الدستور يضمن حرية الاجتماع والتجمهر السلمي .. لكنه، يشترط أن يتم ذلك في إطار احترام القانون، وليس باقتحام الفضاءات العامة دون إذن أو ترخيص

الفضاء الجامعي في المغرب، ورغم كونه مجالاً للحرية الفكرية والثقافية، يبقى خاضعا لقوانين التنظيم الإداري والبيداغوجي، ويجب احترام الضوابط التي تفرضها إدارة الجامعة، ضمانًا للأمن الجامعي ولحقوق جميع الطلبة، دون استثناء أو تمييز

الحق في التعبير الفني والثقافي مكفول في المواثيق الدولية، لاسيما في المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن “لكل شخص الحق في أن يشترك بحرية في حياة المجتمع الثقافية”، غير أن هذا الحق يجب أن يُمارس بطريقة لا تمس بحقوق الآخرين، ولا تقوض مؤسسات الدولة أو تحرض على الكراهية

لا أحد يشكك في عدالة القضية الفلسطينية، فهي قضية الأمة جمعاء، ولا يمكن احتكارها من طرف فئة محددة أو توظيفها كغطاء لإسكات الآخر، أو لمهاجمة المؤسسات .. أن يتم حجب صورة رئيس الدولة الملك محمد السادس بعلم فلسطين، هو تصرف رمزي مشحون بالرسائل السياسية .. لكنه، في ذات الوقت يُعد خرقا لبروتوكولات الدولة ومساسا بمقام الملك، الذي يمثل رمز السيادة الوطنية ورئيس لجنة القدس

ما حدث يعد نموذجًا لمجزرة أخلاقية قبل أن يكون تجاوزًا قانونيًا .. الفن ليس ترفًا، بل هو مقاومة راقية، وهوية، وصوت العقل في وجه العبث .. فمن يصادر الفن باسم التضامن، يُمارس نوعا من “الصهيونية الأخلاقية”، التي تهدف إلى تجفيف منابع الإبداع مقابل شعارات فارغة .. شكرًا لهؤلاء الذين أكدوا، من خلال أفعالهم، أنهم لا ينتمون لمعسكر الرفاق بقدر ما ينتمون لمعسكر الفوضى والعداء للوطن، تحت غطاء النضال والتضامن

فلنتذكر دوما أن شعار المملكة المغربية هو: “اللـه، الوطن، الملك”، وهو ليس مجرد شعار، بل تعبير عن نظام دستوري واضح، كما جاء في الفصل الأول من دستور المملكة: “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية” .. وهذا النظام لا يُبنى بالتحامل والتهجم، بل بالحوار والنقد المسؤول، والفعل الثقافي والفني الهادف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق