أخبارمتفرقات

رمال العرجة بفجيج تعقيب على جواب وزارة الداخلية

 

* الدكتور عبد الرحمان الحرادجي

تقدم النائب البرلماني، الدكتور عمر اعنان عن فريق الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 02 ديسمبر 2024 بسؤال كتابي إلى وزير الداخلية في موضوع عدم السماح لأرباب الشاحنات بالعودة إلى استغلال رمال العرجة بفجيج كما كان معتادا، ضمن موضوع واسع وهو: “تدهور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وحركية التنمية بمدينة فجيج بسبب حرمان شاحنات الرمال من استعمال مقالع العرجة”، فجاء جواب وزير الداخلية بتاريخ 30 ديسمبر 2024، معززا بإفادات متعددة من عين المكان (محليا، وإقليميا على الأرجح)

ارتأينا أن نعد وأن ننشر تعقيبا على الجواب المقدم، وقد أسهم فيه أحد الأساتذة الباحثين مشكورا بمعلومات قيمة، وهو الدكتور عبد الرحمان الحرادجي (أستاذ التعليم العالي – متقاعد) من زاوية تخصصه العلمي في الموضوع (الجغرافيا الطبيعية والجيومرفلوجيا) فضلا عن معرفته الميدانية الدقيقة للمجال الجغرافي المعني بالإشكالات المطروحة

إن الرأي الذي يقول “إن استخراج الرمال من مسافة الصفر بوادي العرجة بدأ ينتج عنه تغيير للمعالم الطبيعية” مجانب للصواب ويعكس عدم استيعاب طبيعة الدينامية النهرية، وهذا شيء طبيعي ما لم يكن صاحب الرأي متخصصا ومنتميا للحقل المعرفي، الذي يُعنى بالظواهر التضاريسية من حيث نشأتُها وتطورها)، وهو علم الجيومرفلوجيا الذي هو فرع من فروع الجغرافيا الطبيعية .. وتعقيبا على جواب وزير الداخلية في الموضوع، نود طرح التوضيحات التالية تنويرا للرأي العام، مع توجيه دعوة للجهات الرسمية المعنية إلى ضرورة اعتماد رأي الكفاءات وذوي التخصص والخبرة الميدانية في هذا الشأن، بدل الاكتفاء بما قدمته الأطراف التي زودتها بمعطيات وهي غير مدركة لحقيقة الظواهر التي تتحدث عنها:

  • إن سليل وادي العرجة من صنف السلان المتحركة (عكس السلان الصخرية) .. وبالتالي، فإن حركيته الطبيعية تجسد خلال كل امتطاح (crue) البحث عن تحقيق التوازن بين العوامل المتفاعلة وهي أساسا الصبيب ودرجة الانحدار الطولي وشكل المجرى وطبيعة السليل ومكوناته الصخارية .. وهذا أمر طبيعي، لأن وادي العرجة يخترق سهلا فيضيا دون تعمق يذكر، مما يتيح دينامية خاصة للإزالة والنقل والإرساب وهي العمليات التي تجسد التعرية
  • إن الرمال التي يستغلها أرباب الشاحنات عادة في الأودية ليست أحفورية ولا تؤخذ من الصوح (الضفة berge) وإنما هي رمال حالية متجددة على الدوام، تؤخذ من القعر، وهذه العملية لا ينتج عنها أي ضرر أو اختلال، بل عكس ذلك تماما، تعتبر بمثابة تنقية للسليل، مما يساعد على سلاسة مرور المياه الجارية وهي إذن عملية كسح لعائق يترتب عن وجوده الرفع من التدوم، الذي يلحق بدوره الأضرار بالصوح بتسريع تعريته .. وعلى مستوى آخر، فالرمال المتراكمة بقعر الوادي هي التي تسهم بكثرة في تزود العواصف الرملية، بل إن قعر وادي العرجة هو مصدر الرمال الزاحفة على الضاحية الشمالية لواحة فجيج .. ويجدر التذكير هنا، بأن ظاهرة الإرمال غائبة تماما في الضاحية الجنوبية رغم انفتاحها على الصحراء غير بعيد عن العرق الغربي الكبير الذي هو بحر من الرمال الثابتة والمتحركة .. ذلك، أن الرمال الزاحفة هنا تتجه نحو الصحراء، ولا تأتي منها كما قد يتبادر إلى ذهن عامة الناس
  • وهكذا، فتغير المعالم الطبيعية للوادي تغير طبيعي يحدث حسب قوة الامتطاحات، باستغلال الرمال أو بدونه، ومن جانب آخر، كيفما حدث ذلك فلن يغير شيئا على مستوى المعالم الحدودية التي تتحدد نقطها أصلا وضرورة في شبكة الإحداثيات الجغرافية وهي نقط ثابتة مجردة عن أي أجسام مادية متغيرة، أو غير متغيرة مهما كان المدى الزمني المعيش، وتضبط بنظام التموقع الأرضي (GPS)
  • إن رمال وادي العرجة لا تضاهيها أي رمال أخرى في المنطقة من حيث جودتُها .. وبالتالي، فلا بديل عنها، وهذا شأن يعرفه عمال القطاع جيدا من بنائين ومهندسين وتقنيين وأرباب الشاحنات، فضلا عن أهل التخصص العلمي الأكاديمي والمخبري .. فالمجرى المائي يعتبر بمثابة مختبر طبيعي تنتظم فيه الإرسابات النهرية بتراتبية محكمة فيها انتقاء من حيث حجم الحبيبات وطبيعتها المعدنية وترتيب زمني ومكاني يتكرر لدى كل امتطاح أثناء تراجعه، وتترتب عن هذه الدينامية إذن تراكمات مصنفة بشكل طبيعي، تتأرجح بين الجلاميد والطين، مرورا بالحصى والحصيم والرمل الخشن والرمل الدقيق والطمي، وأهل الحرفة والمختصون يعرفون هذا جيدا ويستجيب أرباب الشاحنات لطلبات الزبناء التي تمليها الاستعمالات المختلفة للمواد المجلوبة من المجاري المائية باختيار المواد التي تتوفر فيها المواصفات الملائمة، ومن ناحية أخرى، فالدينامية النهرية للوادي المعني تتميز بحركية دائبة لقناة الشح والقنوات المتشابكة والتي تغير تخطيطها ومواقعها باستمرار مع كل امتطاح، في المجرى الاعتيادي الذي يبلغ عرضه أحيانا عدة مئات من الأمتار، تتداخل وتتعاقب فيه العتبات والحيول المتحركة بمياهها وموادها الفيضية المتجددة رمالها وحصاها وكل حمولتها .. ولنا أقرب مثال فيما حدث مع الامتطاحات القوية التي عرفها وادي العرجة في شهر شتنبر الماضي، إذ تغيرت معالم المجرى كثيرا .. فهذه تغيرات طبيعية لا يمكن أن تتبعها تغيرات تخطيط الحدود، كما أن الحفر التي تنتج عن كشط الرمال من المجرى تستقبل الرواسب عادة مع بداية كل امتطاح قبل ارتفاع كفاءة التيار المائي التي تبدأ معه الإزالة، والتي يتبعها الإرساب مجددا بمجرد تراجع الكفاءة الناتج عن تراجع قوة الصبيب
  • وينبغي الإشارة هنا إلى التباين الحاصل على مستوى الجودة بين رمال وادي تسرفين التي تقترحها الإدارة الترابية للاستغلال بديلا، وهي رمال رديئة، وبين رمال العرجة التي تتميز بمواصفات الجودة المطلوبة، بفعل وجودها في سافلة اقتران وادي تسرفين بوادي الحلوف بعدة كيلومترات .. فهذا السياق يغير معادلات الدينامية وطبيعة الحبيبات الرملية والشوائب المرافقة لها، بفعل تعديل التفاعلات المنخرطة في تحقيق التوازن بين الإزالة والنقل والإرساب، بما في ذلك ما يرافق الدينامية من غسل وانتقاء، كما أن التباين في الجودة مرتبط أيضا بالفرق في المسافة الطولية وفي مواصفات الحوض النهري لكل من وادي الحلوف و وادي تسرفين، لا داعي للتفصيل فيها
  • وعلى مستوى اتفاقية ترسيم الحدود (1972)، فإن اعتماد المجاري المائية المتحركة في ترسيم الحدود لا يخلو من مشاكل يغذيها اللبس والنزاعات الجيوسياسية، بل يعتبر ذلك أمرا مرفوضا في نظر القانون الدولي، وحسب المعلومات المتوفرة، سارعت الجزائر إلى ترسيم هذه الحدود في المنطقة من جانب واحد في غياب الطرف المغربي، بإيداع خريطة لدى هيئة الأمم المتحدة بحدود مجحفة ومعيبة اقتطعت محاطات لملاك مغاربة أبا عن جد ليس ضمنهم ولا حامل واحد للجنسية الجزائرية يملك فيها ولا شبرا واحدا (الملياس وتاغيت وأمغرور وأمسلو والمراجي وتاغلة وتامزوغت وإغزر أشرقي والعرجة وغيرها…) .. وللتذكير، فإن عملية انتزاع بساتين العرجة (الطريش) يوم 18 مارس 2021 تعتبر سطوا على ممتلكات مغربية توجد في قعر واد متحرك، يتغير فيه موضع السليل باستمرار، مما قد يجعل تلك الممتلكات يوما ما في الضفة اليمنى (أي، المغربية) بتغير تخطيط السليل الرئيس أو أحد تفرعاته
  • إنه لمن الغريب ألا يتم الانتباه إلى “الضرر” المزعوم لاستخراج الرمال من وادي العرجة إلا بعد قيام أرباب الشاحنات بإضراب، وإثر تضامنهم مع الحَراك الرافض لانضمام الجماعة الترابية لفجيج إلى حظيرة شركة توزيع ماء الشرب (شركة الشرق متعددة الخدمات…) وهذا يقود إلى التساؤل عن مدى قانونية العقاب الجماعي الذي طال مستخدمي قطاع الرمال والمستفيدين منه في كل حلقات السلسلة الإنتاجية من الكسح إلى الاستهلاك

أما عن التقطيع الإداري الذي يفصل بين جماعتي فجيج وعبو لكحل، فالوضع مجحف ويفرض طرح عدد من الملاحظات وهي كالتالي:

* إن الحدود الإدارية المعمول بها حاليا لا تستند إلى أي نص قانوني، بما في ذلك تقطيع 2008 الذي تذكره وثيقة رد وزارة الداخلية، ولا تُتداول بشأنه رسميا أي وثيقة أو معلومة، مما يضع “الحق في الحصول على المعلومة” مغيّبا، وهو وضع يصادر حق المواطن في الطعن في التقطيع الإداري من خلال ممثليه كما حدث ذلك في الماضي

* سبق للإدارة الترابية أن سنت تقطيعا إداريا حُدّدت بموجبه الدائرة الحضرية لفجيج ونشر في الجريدة الرسمية مرسوم تحت رقم 2.59.508 في العدد 2449 بتاريخ 02 أكتوبر 1959 طوق الواحة في حيز ضيق .. لكن، المجلس الجماعي آنذاك انتبه إلى الإجحاف فكان له رأي آخر، إذ تقدم بطعن وتظلم فاستجابت له الإدارة بعد حوالي 12 سنة بإلغاء القرار بمرسوم جديد تحت رقم 2.71.513 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 3092 بتاريخ 02 فبراير 1972، وقد جاء ضمن الحيثيات في ديباجة المرسوم الجديد “بناء على الرأي الذي أبداه المجلس الجماعي بفجيج خلال جلسته المعقودة يوم فاتح أكتوبر 1970، وباقتراح من وزير الداخلية…”

* فهل للمسؤولين أن ينوروا المواطن والرأي العام على السواء بحيثيات التقطيع الإداري الحالي بين جماعتي فجيج وعبو لكحل ..؟ وما هي معالم حدوده ..؟ ومتى صدر وفي أي عدد من الجريدة الرسمية نشر ..؟ ولماذا يتم التستر بشأنه ..؟ وعلى أي أساس أصبحت جماعة عبو لكحل الناشئة بمساحة 3102 كيلومتر مربع، بينما احتفظت جماعة فجيج الأم بمساحة لا تتعدى 35 كيلومتر مربع، مع ما يترتب عن ذلك من أضرار تعاكس مصالح المواطنين ..؟ ولماذا ظلت الإدارة الترابية متمسكة برفضها لملتمسات المجالس السابقة لإعادة النظر في التقطيع، رغم الوعود المقدمة ..؟

* إذًا كانت الديموقراطية التشاركية حاضرة عام 1972 في تدارس التحديد الترابي لجماعة فجيج، وفي وقت صعب للغاية، فلماذا يتم تغييبها في مشارف نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ..؟ فمن يا ترى يقف وراء هذه المواقف ..؟ فأين الشفافية وأين احترام القانون وأين فجيج من المؤسسات ومن إلزامية خدمة الإدارة للمواطنين ..؟ ولا يسع المرء هنا سوى أن يستغرب ويستحضر كلام جلالة الملك في أحد خطبه ” إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا” (مقتطف من الخطاب السامي ليوم الجمعة 14 أكتوبر 2016 في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة)

* إن إقحام إضراب أرباب الشاحنات في الموضوع والتذكير بتضامنهم مع الحراك المدني الرافض لتفويت قطاع ماء الشرب في الواحة إلى الشركة الجهوية متعددة الخدمات يمكن اعتباره زلة قد توحي بالأسباب الحقيقية التي تكمن وراء إلغاء الاستغلال الاعتيادي لرمال العرجة، بعيدا عن الذرائع المقدمة

* وعودة إلى المسألة الحدودية، فقد وردت في جواب وزارة الداخلية عبارة “استخراج الرمال على مسافة الصفر من الحدود في السابق، بدأ ينتج عنه تغيير المعالم الحدودية الطبيعية…” بعد التحليل أعلاه، هل ينتفي عذر المنع باستبعاد أي تأثيرات سلبية مفترضة لاستخراج الرمال .. وبالتالي، يسمح للشاحنات بالولوج إلى الأماكن المعتادة قبل المنع ..؟ كما أن “مسافة الصفر” لها مدلول نسبي جدا ينبغي الوقوف عليه بدقة، وخاصة في هذا المجرى المائي العريض وذي السلان المتشابكة والمتغيرة .. وللتذكير، فإن محاط واحة فجيج يعاني من التطويق ومن اللاعدالة المجالية واللاعدالة الحدودية والأمنية من كل جانب، فما أصبح حدودا مغربية جزائرية في شمال الجهة الشرقية ليس كنظيره في جنوبها .. ففي الشمال، لا وجود لفاصل بين حيازات المغاربة وحيازات الجزائريين، سوى خط الصفر دون فاصل يذكر غير سياج أو خندق، بينما في الجنوب بمحيط فجيج، حيث لا ضيعات ولا حيازات، يفرض على المغاربة الابتعاد بمئات أو آلاف الأمتار، دون مبرر ظاهر، وبذلك يتم منع المالكين من استغلال ممتلكاتهم الزراعية ومراتع مواشيهم الرعوية، كما يذكي لديهم الشعور بالغبن

مع توالي التصرفات الإدارية المجحفة في حق هذه الواحة المنكوبة وأهلها، يتأكد يوما بعد يوم، أن البوابة الجنوبية الشرقية ذات التراث العريق والبيئة العطوبة، والتي ظلت عبر التاريخ قلعة لحماية الوطن والذود عن وحدته وتماسكه وسلامة أراضيه، قد يتولد عنه لدى المواطن إحساس بأنها تخضع لعقاب من شأنه أن يبدد الشعور بالأمل والطمأنينة ويُضعف الآثار الإيجابية، التي تركها في نفوسهم الخطاب السامي الشهير الذي ألقاه جلالة الملك بمدينة وجدة عاصمة الجهة يوم 18 مارس 2003، ومما جاء فيه: “… كما أننا نحث القوى الحية لهذه الجهة على بذل المزيد من العناية للنهوض بمنطقتهم، والانخراط في المجهود الجماعي التنموي والتضامني الذي نقوده لمحاربة الفقر والتهميش…”. فالوضع الذي تعيشه فجيج يعاكس المساعي الرسمية للتحفيز على الاستثمار والتنمية ..  فهل ممن يُخرج الواحة من الوضع المتأزم المتفاقم، والذي ينطبق عليه المثل المغربي “لالّة زينة وزادها نور الحمّام” ..؟

 

* أستاذ التعليم العالي – متقاعد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق